التحليلات

المجلس الانتقالي الجنوبي: بين خلق الذرائع وتقديم التنازلات

عيدروس الزبيدي يؤدي صلاة عيد الأضحى إلى جوار رشاد العليمي في قصر معاشيق، 09 يوليو 2022 (stc)

11-07-2022 at 4 PM Aden Time

language-symbol

سوث24 | فريدة أحمد


بعد مرور قرابة 100 يوم على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، مازال المشهد العام أقرب لأن يكون ضبابياً. خلال هذه الفترة تبيّن أن حسم بعض الملفات يواجه بعض التحديات. فهناك أطرافاً لديها سيطرة على الأرض بحكم الأمر الواقع ولديها ثقلًا عسكريًا، مقابل أطراف أخرى لا تملك ثقلاً سياسياً أو عسكرياً على الأرض، إلا أن لديها شبكة مصالح اقتصادية قوية. هذا التضارب قد يؤسس لمرحلة تباين بين الشركاء في الرئاسي، وربما يعيق عملهم في ظل عدم إحراز تقدم في الإنجاز، بما في ذلك التغيير العسكري والسياسي على مستوى الرئاسي والحكومة.


فضلاً عن ذلك، فتدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي في العاصمة عدن، إلى جانب ازدياد وتيرة العمليات الإرهابية في مناطق متفرقة من جنوب اليمن، أسهم في تزايد الاحتقان الشعبي. خصوصا بعد رفع أسعار البنزين التجاري بنسبة 14% في مناطق سيطرة الحكومة، مما أدى لخروج مئات المحتجين الغاضبين، وإضرام النيران وإغلاق الشوارع الرئيسية بعدن، احتجاجاً على تردي الخدمات وارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود[1].


بلا شك، إن حرب ثمان سنوات خلّفت تركة ثقيلة، غير أنّ أكثر ما يثير حنق الشارع هو قدرة أطراف المجلس الثمانية على ممارسة المهام السياسية كلٌ على حده، دون تسريع لتحقيق مطالبه بانتشال الوضع الاقتصادي المتردي وتوفير الخدمات. كما أنّ معضلة بقاء التشكيلات العسكرية النظامية وغير النظامية بشكلها الحالي، قد تدفع لتدهور الوضع الأمني في ظل تصلّب بعض المواقف بعدم إعادة الهيكلة أو إحداث تغيير في المؤسسة العسكرية، أو نقل القوات من بعض المواقع مثل وادي حضرموت والمهرة وأبين إلى جبهات القتال، كما تم الاتفاق عليه في مشاورات الرياض الأخيرة وقبل ذلك في اتفاق الرياض.


بالنسبة للموقف السعودي، تبدو تحركات الرياض بطيئة تجاه الملف الاقتصادي، الذي يفترض أن يكون داعما لعمل مجلس القيادة الجديد، لاسيّما في ظل بقاء بعض القوى القديمة داخل المشهد، بينما يمشي بوتيرة عالية تجاه إيجاد مداخل للتفاوض مع الحوثيين أو تشكيل قوات عسكرية تحت مسمى "قوات اليمن السعيد"، في ظل عدم الاهتمام بدعم تصحيح مسار القوات العسكرية السابقة أو عدم الضغط على تفكيك القوات غير النظامية في تعز وغيرها، الأمر الذي من المحتمل أن يؤسس لمرحلة أكثر إرباكاً.


على سبيل المثال، وصلت قبل أيام وحدات مشتركة من قوات التحالف العربي بقيادة السعودية ومن ألوية اليمن السعيد المشكلة حديثا معززة بعشرات الآليات والمعدات العسكرية إلى قصر معاشيق، مقر قيادة المجلس الرئاسي والحكومة في العاصمة عدن[2]. فسّر جنوبيون أن مجيء هذه القوات العسكرية التي تلقت تدريبات مكثّفة خلال الفترة الماضية، إلى جانب حماية المجلس الرئاسي والحكومة، هو الحد تدريجياً من فعالية القوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يسيطر على العاصمة المؤقتة. إذ من المتوقع أن تنتقل قوات عسكرية أكثر عدداً تحت كيان "اليمن السعيد"، في مناطق متفرقة من جنوب اليمن خلال الفترة القريبة المقبلة، كنوع من إحداث التوازن بين القوى على الأرض من خلال محاولة تقويض الكيانات العسكرية والأمنية المرتبطة بالانتقالي الجنوبي.


ثمة مقاربة تتعامل بها السعودية مع الأطراف اليمنية حتى أثناء إدارتها للخلاف بين هذه الأطراف، من خلال إظهارها لموقف داعم لصالح طرف ضعيف على حساب إضعافها لموقف طرف قوي، دون الأخذ بالأبعاد السياسية وتأصيل الصراع والأزمة اليمنية وكثير من العوامل الأخرى، ليبدو موقف الرياض مما جرى ويجري في عدن مبنياً على تصورات شخصية لمن أوكل لهم الرفع بحلول علمية مبنية على دراسات واقعية.


إن الرؤية السعودية التي تربط السعي لتقوية طرف بضرورة إضعاف الأطراف الأخرى المصطفة معه لا تبدو حصيفة. إذ من غير المنطقي أن تسحب الرياض القوة من طرف يشكّل ثقلاً عسكرياً وسياسياً كالانتقالي الجنوبي، لتمنحه لطرف ضعيف ليس له تأثير كبير وغير متماسك ولا توحّده قيادة "كالأطراف الشمالية المتباينة". هذا الأمر سينتهي بإضعاف مواقف ومراكز كل الأطراف اليمنية المناهضة لمعسكر الحوثي مع الوقت. حتى الآن، يبدو أن السعودية ليس لديها استراتيجية واضحة للتعامل مع مجلس القيادة الرئاسي أو كل طرف انضوى تحته على حده. رغم أنّ المجلس بدا حلاً واقعياً للمشهد السياسي العام بعد 8 سنوات من الصراع، غير أنّ غياب الاستراتيجية ربما يصبح مشكلة للسعودية نفسها قبل أن يكون مشكلة لمجلس القيادة، خاصة وأنّ السياسة السعودية تجاه الأطراف اليمنية المدعومة منها تنتهي بنتائج لصالح الحوثيين، وكلاء إيران في خاصرتها الجنوبية. 


من غير المنطقي أن تسحب الرياض القوة من طرف يشكّل ثقلاً عسكرياً وسياسياً كالانتقالي الجنوبي، لتمنحه لطرف ضعيف ليس له تأثير كبير وغير متماسك ولا توحّده قيادة "كالأطراف الشمالية المتباينة"

ذرائع وتنازلات


منذ أن سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على العاصمة عدن في أغسطس 2019، كان أكثر سؤال يتردد بإلحاح ما الذي فعله الانتقالي الجنوبي لتصحيح الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المترديّة في مناطق سيطرته؟ الإجابة بكل بساطة لم يقدّم شيء. بل على العكس كان يختلق الذرائع برمي المسؤولية على الحكومة. رغم أنّ بعض ذرائعه كانت مقبولة، غير أن البعض منها لم يكن كذلك؛ في الوقت الذي كان بإمكانه أن يمارس ضغوطاً لفرض قوته في إدارة المشهد جنوب اليمن على أكثر من مستوى سياسي وعسكري واقتصادي.


مع قول ذلك، كان تراجع الانتقالي عن الإدارة الذاتية التي أعلنها في أواخر إبريل 2020، خطوة نمّت عن عجز استكمال لتنفيذها، خاصة بعد خضوعه لضغوطات التحالف بالتراجع عنها، وهو ما مثّل صورة ركيكة له ككيان أمام جماهيره، يتخذ قرارات ارتجالية غير مدروسة سرعان ما يتراجع عنها. فضلاً عن آلية تسريع اتفاق الرياض التي جاءت فيما بعد، والذي اعتبرها الانتقالي مكسباً سياسياً له، لم يحقق من خلالها شيء على أرض الواقع، بل ظل يختلق الذرائع بالحكومة التي له خمسة مقاعد فيها ولا يزال. وحتى بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، ورغم تعيين محافظ عدن "أحمد بن لملس" وزيراً للدولة عضواً في مجلس الوزراء، لم يحدث الأخير تغييراً ملموساً بالضغط على الحكومة أو تحفيزها على الإسراع في معالجة ملف الخدمات في العاصمة عدن.


يظهر تأثير الانتقالي الجنوبي ضئيلاً مقارنة بالصورة المتوقعة منه على مستوى الرئاسة والحكومة. على سبيل المثال، طالبت الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي في دورتها الخامسة المنعقدة في 22 يونيو الفائت، بالإسراع في استكمال تنفيذ "اتفاق الرياض"، وفي مقدمة ذلك تشكيل الوفد التفاوضي المشترك، وإعادة تشكيل وتفعيل الهيئات الاقتصادية والرقابية العليا، وتعيين محافظو ومدراء أمن محافظات الجنوب، وإعادة هيكلة كافة مؤسسات الدولة وخاصة وزارتي الدفاع والداخلية، وإعادة تموضع كافة القوات العسكرية ونقلها إلى خطوط التماس في جبهات الحرب ضد الحوثي.[3]


جادل نشطاء جنوبيون أن المطالبة بمثل هذه الأساسيات التي تعد حقاً أصيلاً للانتقالي الجنوبي كشريك في السلطة الرسمية غير منطقية، إذ بإمكانه أن يقوم بها ويفعّلها ويضغط بشأنها دون أن يطالب بها، خاصة وأّن الجمعية الوطنية ذكرت أن أي محاولات لتغييب الانتقالي عن طاولة مفاوضات وقف الحرب سيجعل الجنوبيين في حل من أي توافقات تنتج عنها. هذا الخطاب أظهر الأخير في موقف الضعف في الوقت الذي بإمكانه فرض نفسه ببساطة كجزء من السلطة في أي مفاوضات ختامية للسلام في اليمن.


وبالنظر لذلك، فالانتقالي الجنوبي بانضمامه لقوام الحكومة سابقاً ودخوله ضمن قوام المجلس الرئاسي الجديد، كان قد خالف رغبة جماهيره، مقابل مكاسب ضئيلة حصل عليها ولم تشكّل له فارقاً كبيراً، رغم تقديمه تنازلات الواحدة تلو الآخرى، وعدم تقديم الأطراف الأخرى ما يساويها بالمقابل.


قدّم المجلس الانتقالي الجنوبي تنازلات كبيرة خلال مفاوضات اتفاق الرياض في نوفمبر 2019، وقبل بتحجيم حصة ممثليه في الحكومة. قبل الانتقالي أيضا بآلية انتقال السلطة التي تزامنت مع مشاورات الرياض في أبريل هذ العام، وانتهت بخروج الرئيس السابق هادي من السلطة وتشكيل المجلس الرئاسي. تحصّل المجلس على ما نسبته 1:8 فقط من عضوية المجلس الجديد.


يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي للمناورة أحيانا ببعض الأوراق. لكنه وبعد اتخاذ خطوات جريئة هي في الأساس لصالح الناس في جنوب اليمن على المدى المتوسط والبعيد، سرعان ما يتراجع عنها بسبب الضغوطات التي تمارسها عليه الرياض وأبوظبي، دون تحقيق مكاسب استراتيجية ملموسة. هذا التراجع غير المحسوب في أدائه على الأرجح سيثير سخط جماهيره مع مرور الوقت. 


فتح طرقات


مؤخرا أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي فتح طريق الضالع-صنعاء منذ أيام. قال متحدثه الرسمي "علي الكثيري"[4]، أنّ هذه الخطوة تأكيداً للداخل والإقليم والعالم بأنّ الانتقالي يتعاطى بإيجابية مع كل جهد لفتح المعابر وتأمين سريان حركة الغذاء والدواء والوقود لدواعٍ إنسانية. وعلى الرغم من إنسانية هذه الخطوة واعتبارها حسن نية للمجلس نحو السلام، إلا أنها بدت تنازلا دون أي مقابل كان يمكنه أن يتحصل عليه من الطرف الحوثي الذي ضاعف هجماته العسكرية مؤخرا في جبهات شمال الضالع وطالت خروقاته المدنيين والمنازل. يجادل مقربون من المجلس بأن هذه الخطوة كان الهدف منها رمي الكرة بملعب الحوثيين بصورة رئيسية وإحراجهم أمام المجتمع الدولي.


ومع ذلك تجاهل المبعوث الأممي "هانز غروندبرغ" الترحيب بهذه الخطوة وخطوات شبيهة قامت بها القوات المشتركة في المخا، وأصدر غروندبرغ بيانا عقب الإعلان اعتبر فيه فتح الطرقات من حيث المبدأ بـ "أنها عملية طويلة الأجل وليست إجراء يتخذ لمرة واحدة فقط.[5]" كشف بيان غروندبرغ أنّ الأولوية في الوقت الحالي هي لتعز كمرحلة أولى. لكن أيضا يمكن فهم بيان غروندبرغ بأنّ أي مقترحات يقدمها الحوثيون تجد أولوية في أجندة الدبلوماسي السويدي، في حين أن الآخرين يقدمون تنازلات استباقية دون ضمانات أو مكاسب.


في المحصّلة، قد يؤدي استمرار انتهاج المجلس الانتقالي الجنوبي لسياسة تقديم التنازلات بلا مكاسب والتي ربما يرى فيها نوعاً من التكتيك المؤقّت، إلى خسارة زخمه الشعبي مع مرور الوقت. على المجلس الانتقالي تغيير حساباته المتقاعسة إلى حسابات تخدم الأهداف الاستراتيجية التي يتبناها في أدبياته، وفي نفس الوقت تساهم في تغيير مسار الصراع نحو السلام، دون تقديم تنازلات كبيرة مقابل مكاسب ضئيلة، تثير سخط أنصاره وحلفائه عليه.


قد يؤدي استمرار انتهاج المجلس الانتقالي الجنوبي لسياسة تقديم التنازلات بلا مكاسب والتي ربما يرى فيها نوعاً من التكتيك المؤقّت، إلى خسارة زخمه الشعبي مع مرور الوقت.

من المهم القول، أن المجلس الذي تشكّل في 2017 هو الطرف الوحيد الذي يستمد قوته من التفويض الشعبي الجماهيري، رغم كونه مرتبط بشكل مؤسسي بقرارات الهيئات التابعة له. لذا فوضع ذلك في الحسبان هو ضرورة استراتيجية وحكيمة بالنسبة للمجلس يجب عليه أن لا يغفل عنها مطلقا.


إنّ استمرار تقديم تنازلات غير وازنة، بعد تحقيق المجلس لمكاسب سياسية وعسكرية على الأرض طوال السنوات الماضية، من شأن ذلك أن يقوّض عمله ويحصره في دائرة لا يمكن التنبؤ بتداعياتها. وعلى الأرجح، أنه قد يواجه ضغوطاً في المستقبل من أجل تقديم تنازلات أكثر قد تفوق إرادته وربما على حساب قضايا مصيرية هامة كقضية الجنوب، التي طالما يؤكّد بأنّه جاء ليمثّلها ومصالح الناس في جنوب اليمن. 


قال المعهد الأسترالي للشؤون الدولية خلال تحليله لطبيعة الهدنة مع الحوثيين في اليمن: "قد نحتاج إلى البدء في قبول حقيقة أنه عندما يقدّم جانب واحد فقط من النزاع تنازلات بينما يقدم الطرف الآخر مطالب، فهذه ليست هدنة إنما استسلام".[6]


هذا المبدأ رفضه رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في خطابه للدورة الخامسة للجمعية الوطنية عندما قال[7]: "من على الأرض سنقرر كيف يكون السلام. السلام الذي حاربنا من أجله وليس السلام البعيد عن الواقع. تضحياتنا لن تقبل سلاما قاصرا مغلفا بالهزيمة. لا سلام إلا بعودة دولة الجنوب، وعودة اليمن إلى الحضن العربي."


فريدة أحمد

المدير التنفيذي لمركز سوث24 للأخبار والدراسات

Shared Post
Subscribe

Read also