التحليلات

ملامح التفاعلات السياسية والأمنية بالمسألة اليمنية في 2022

15-01-2022 at 12 PM Aden Time

language-symbol

سوث24 | د. إيمان زهران


يبدو أن الوقت لازال مبكراً لبناء سلام فاعل في اليمن، إذ تضفي مجمل التفاعلات الميدانية والسياسية في العام المنصرم، المزيد من التساؤلات حول آفاق المسألة اليمنية في 2022، وذلك على النحو المبين بالنقاط التالية: 


أولا - ديناميكيات 2021:


يُعد عام 2021 بمثابة عام التحولات النوعية بالمسألة اليمنية، وذلك عقب فترة جمود بالمسارات السياسية والميدانية فيما بعد توقيع اتفاقية استكهولم 2018، إذ أبرز تلك التحولات ما يمكن بيانه في حجم التحركات الميدانية/ العسكرية – خاصة لجماعة الحوثيين – والتي انعكست بشكل رئيسي على مسارات العملية السياسية والأدوار المتباينة للفواعل المنخرطة بالمسألة اليمنية إقليميا ودوليا.


 الجدير بالذكر، أن المشروع الحوثي الحالي لا يُعد مشروعًا طارئًا على الساحة اليمنية، فقد استغرق نحو ثلاثة عقود تقريبًا، نشأ وتطور خلالها حتى تشكل بواقعه الحالي عبر ثلاث مراحل، كل مرحلة منهم استغرقت نحو عقد من الزمن تقريباً، حيث [1]: العقد الأول هو عقد النشأة والظهور على الساحة، والعقد الثاني هو عقد الحروب الستة والصراع مع الدولة، والعقد الثالث هو عقد التمكين والصراع على الدولة ذاتها. وبناءً على ذلك فقد استندت جماعة الحوثيين بالعقد الثالث على استراتيجية "أوراق الضغط"، وذلك بالنظر إلى ملامح تحركاتها خلال عام 2021، التي انعكست على عدد من الأهداف، أبرزها:


1. توسيع النفوذ الميداني: حيث عمدت جماعة الحوثيين على توظيف كافة أدواتها العسكرية لإعادة ترسيم الخرائط الميدانية لجغرافيا الصراع اليمني. وهو ما ظهر بالمشاهدات التالية:


- ما انعكس على سيطرة الحوثيين على "محافظة البيضاء"، منذ منتصف سبتمبر، وما آل بذلك كإحدى أوراق التفاوض بأي تسوية سياسية مُقبلة.  كذلك ما منحته "البيضاء" لجماعة الحوثيين من مجالًا للتقدم تجاه المحافظات الجنوبية، خاصة شبوة، قبل أن يتم تحرير هذه المديريات مطلع العام الجاري 2022، في عملية "إعصار الجنوب" التي أعلنتها ألوية العمالقة الجنوبية.


- استمرار التحركات الميدانية الحوثية نحو "مدينة مأرب"، وذلك لما تحمله من عدد من الاعتبارات الإستراتيجية، أبرزها: كون مأرب آخر معقل للحكومة الشرعية شمال اليمن، وما تتمتع به المحافظة من أهمية استراتيجية واقتصادية "حقول النفط والغاز". فضلاً عن كونها البوابة الجيوسياسية للتمدد نحو حضرموت في الجنوب.


- التحركات المتباينة بين الحوثيين والجيش اليمني في عدد من النقاط الميدانية، وذلك في إطار استراتيجية الجماعة نحو الدفع بالأداة العسكرية مقابل الحوار السياسي.


 2. التمدد ميدانيا للخارج: وذلك عبر توسيع جماعة الحوثيين لنطاق هجماتها لتشتمل على ما بعد حدود الدولة الوطنية اليمنية – خاصة للمملكة العربية السعودية - من خلال استهداف عدد من المنشآت النفطية، والبنية التحتية الاستراتيجية، علاوة على المؤسسات الحيوية لبعض المناطق مثل: جازان، نجران، وعسير. وذلك بسبب التقارب الجغرافي والحدود المشتركة للمناطق الثلاث مع محافظة صعدة اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين. وذلك في إطار عدد من الرسائل السياسية والأمنية، أبرزها: البروبجندا الدعائية من خلال الترويج لقدراتهم العسكرية على جبهات متنوعة داخلياً وخارجياً، وكذلك إرباك المملكة السعودية وعناصر التحالف لتخفيف الضربات الجوية ضد تمركزات الحوثيين في الداخل اليمني، مما يخدم استراتيجية الجماعة في التمدد بعدد من المحاور وضمان مزيد من السيطرة الميدانية.


3. إرباك المشهد في الجنوب: انعكس ذلك بصورة مباشرة في تحركات الحوثيين تجاه محافظة شبوة في الجنوب في سبتمبر الماضي، وذلك في إطار هدفين، الأول: محاولة التمدد بكافة المساحات الميدانية الأخرى، والثاني: إرباك المشهد بالتوازي مع الحراك داخل الجنوب. وقد برز ذلك في محاولة اختراق محافظة "شبوة" أو عبر استهداف قاعدة "العند" نهاية أغسطس 2021. إذ يحمل الهجوم على تلك القاعدة عددًا من الرسائل، أبرزها: أولا، التأكيد على استراتيجية الحوثيين نحو التمدد خارج مناطق سيطرتها، وثانيا، إنجاز ضربات نوعية ضد المحاور الاستراتيجية الرسمية مثل "قاعدة العند" والتي يُنظر إليها باعتبارها صمام الأمان الجنوبي، وثالثاً، إرباك الجبهة المناهضة للجماعة وذلك عبر توظيف حالة "عدم اليقين" التي تسيطر على جنوب اليمن استناداً إلى عدد من المحددات أبرزها: غياب الثقة بين الحكومة المعترف بها دوليا والمجلس الانتقالي الجنوبي، فضلًا عن الاحتجاجات والتظاهرات التي اندلعت مؤخرًا في سبتمبر العام الفائت في المناطق المحررة، اعتراضًا على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وسوء الخدمات [2].


وبالنظر إلى النقطة الثالثة، فثمة ما يؤسس إلى ما يُعرف بـ "الديناميكيات السياسية في الجنوب"، والتي بدأت تطفو على السطح منذ أواخر 2019، وذلك عقب توقيع الحكومة المُعترف بها دولياً والمجلس الانتقالي الجنوبي لـ "اتفاق الرياض" عبر وساطة سعودية. وهو الاتفاق الرامي إلى عدد من الأهداف، أبرزها: الأول: توحيد الكتلة المناهضة لجماعة الحوثيين، وثانيا: إشراك المجلس الانتقالي الجنوبي والأطراف الجنوبية الأخرى في حكومة تعتمد على مشاركة السلطة، وثالثا: تعيين المسؤولين الحكوميين في المحافظات الجنوبية، ورابعا: إجراء عملية دمج بين القوات العسكرية للطرفين. إلا أنه بالمقابل، وعقب إعادة التفاوض على "تنقيح الاتفاق" في صيف 2020، فإن عملية تنفيذ الاتفاق اتسمت بالجمود. وهو ما دفع بمزيد من الأحداث المأزومة في جنوب اليمن قد تسهم في إعادة تشكيل أجندة المسارات السياسية للملف اليمني في 2022، وذلك بالنظر إلى التطورات التالية [3]


1. ما أعلنه المبعوث الرابع "هانز غروندبيرغ" – في 10 سبتمبر 2021 – في الإحاطة الأولى أمام مجلس الأمن، حيث شدد على ضرورة أن تتخذ الأمم المتحدة نهجاً شاملاً لإنهاء الصراع في اليمن، مشيراً إلى أنه يعتزم تقييم الجهود السابقة، بهدف تحديد أفضل طريقة للمضي قدما. مع اعتزامه الاستماع إلى أكبر عدد ممكن من النساء والرجال اليمنيين، مشدداً على أن السلام في اليمن لن يستمر على المدى البعيد إذا لم تلعب الأصوات الجنوبية دوراً في تشكيل هذا السلام على نحو مسؤول [4]


2. ما يتعلق بالتطورات الميدانية في جنوب اليمن، خاصة مع التغير في استراتيجية "التحالف العربي"، وتوجيه الدعم إلى "ألوية العمالقة الجنوبية" وذلك في إطار التحركات الميدانية لتحرير مديريات بيحان الثلاث، التي سيطر عليها الحوثيين – دون مقاومة / أو اشتباكات – وذلك إبان سيطرة حزب الإصلاح على محافظة شبوة. كما أنه من المُحتمل ألا تقتصر مهام "ألوية العمالقة" على شبوة فقط، إذ بالمقابل قد يحدث انخراط ميداني في جنوب "مأرب" كما يحدث حاليا في حريب، وفي محافظة "البيضاء". على الرغم من أنّ المجلس الانتقالي الجنوبي بدى أكثر حذرا في مثل هكذا تقدّم داخل أراضي الشمال [5].


3. تحرك شعبي في حضرموت، وذلك في ديسمبر 2021، كرد فعل مضاد على سياسات الحكومة، والاحتجاج لوقف تصدير ثروات الجنوب وموارده الطبيعية لحين استيفاء السوق المحلي.


4. ما أفرزته الاحتجاجات الرافضة لوجود محافظ شبوة " الإصلاحي - محمد بن عديو"، وتعيين "عوض محمد العولقي" في 25 ديسمبر 2021 من جانب الرئيس المعترف به دوليا "عبد ربه منصور هادي"، وهو ما يُعد تحولاً نوعياً يؤسس لمرحلة "توافقية" رحب بها كل من المجلس الانتقالي الجنوبي، وحزب الرابطة، والتحالف الموحد لأبناء شبوة، رئيس المجلس العام لأبناء المهرة، و..إلخ. 


وبالسياق ذاته، فشمال اليمن لم يكن بمنأى عن التفاعلات الميدانية والسياسية، خاصة فيما بتعلق بالعمليات التطويقية لجماعة الحوثي - وذلك جنباً إلى جنب - مع إعادة تموضع قوى التحالف، بالحراك القائم في شبوة، صمود جبهات مدينة مأرب، مع الضغط الموازي على الجماعة في مديريات شمال شبوة، فضلا عن استمرار العمليات في الساحل الغربي. إذ جميعها تؤشر لملامح التحول بالمسارات المتباينة بالمسألة اليمنية في عام 2022. 


ثانيا - آفاق 2022: مستقبل التصعيد العسكري


ثمة تشكك في احتمالات إيجاد صياغة توافقية لإنجاز متطلبات التسوية للمسألة اليمنية، وذلك بالنظر إلى مجمل المحددات والتي يمكن أن تُشكل نهجاً أكثر ديناميكية بخريطة التطورات الميدانية في 2022، وذلك بالنظر للنقاط المُحتملة التالية: 


1. التحولات الميدانية: تُحسم المسألة اليمنية بالتوازي مع القدرة على الحسم الميداني، وهو ما تنبهت له الأطراف المتنازعة بالداخل، وبدأت تطبيقاته بشكل أكثر عنفاً مع نهاية عام 2021، ومن المُرجّح أن تستمر في 2022. وهو ما يدفع بإحدى السيناريوين، الأول: نجاح الحوثيين في السيطرة على مدينة مأرب، وما قد يؤول بذلك نحو تمدد الجماعة وتوسيع نطاق سيطرتهم الجغرافية، والثاني: يُبنى على إعادة تموضع التحالف العربي ومدى قدرته على إنجاز متطلبات "الحسم العسكري"، ومآلات ذلك على تطويق الحوثيين ودفعهم بقبول بتسوية، خصوصا وأنّ الفترة الحالية شهدت نمطاً مغايرًا للضربات والهجمات الموجهة ضد الحوثيين، باتت تركز على "تطويق" القدرات العسكرية للجماعة عبر استهداف مخازن وورش تصنيع السلاح، بالإضافة للمنصات والتمركزات التي يستخدمها الحوثيون لإطلاق المسيرات والصواريخ الباليستية. وهو ما يُنذر بدورات متتالية من التصعيد العسكري المُحتمل خلال 2022 [6].


2. إعادة ترتيب المشهد الحوثي: برغم المكاسب الميدانية/ العسكرية التي أحرزها الحوثيين بالنظر لخرائط التوسع والانتشار بالأراضي اليمنية، إلا أنه بالمقابل فثمة عدد من التحديات التي تواجه الجماعة، أبرزها، الأول: ما يُثار حول الصراع الداخلي بين عدد من الأجنحة والقيادات بالجماعة حول كيفية إدارة المشهد الميداني والسياس الحالي بالمسألة اليمنية، وثانياً: ما يتعلق باستهداف قيادات وعناصر مؤثرة داخل الجماعة، وانعكاس ذلك على إرباك خريطة التحركات لجماعة الحوثيين [7].


3. إعادة تموضع التحالف العربي: تُنذر التطورات الأخيرة بنمط التحرك الميداني لقوى التحالف العربي، بأن هناك ثمة رهان حول إعادة التموضع العملياتي عقب 6 أعوام من الحرب بلا أي جولات حاسمة. في ظل عدد من المعوقات المتباينة، أبرزها، المعوقات السياسية: تتعلق بالموقف الدولي من التحركات الميدانية/ العسكرية العملياتي استناداً إلى الورقة الإنسانية وحماية المدنيين، والمعوقات العسكرية: تتعلق بالإستراتيجية العسكرية لقوى التحالف، واعتمادها على "المكونات العسكرية المحلية" بشكل رئيسي في حسم هذا الأمر.  إلا أنه بالمقابل، فثمة ما يُرجح من احتمالات "إعادة تموضع التحالف"، على النحو ما قد يُنذر بتحول النمط العملياتي، وذلك استناداً إلى محددين، الأول: حالة الإرباك بهيكل جماعة الحوثيين إثر اختراق قوى التحالف لهيكلها القيادي. والثاني: استثمار فرصة "تغير المزاج الدولي" من الحوثيين، نظراً لعدم استجابتهم للنداءات الدولية لوقف الحرب، وعرقلة جهود الإغاثة الإنسانية، ورفض العودة إلى طاولة الحوار للوصول إلى تسوية وفق المبادرة التي عرضها التحالف في 2021، وحظيت بدعم دولي.


الجدير بالذكر، أن معيار اختبار تلك الترجيحات ينصرف إلى مدى الفاعلية التي يُدار بها المستوى العملياتي على الأرض، إذ يُرجّح في تلك النقطة إحدى السيناريوين: 


- السيناريو الأول: ينصرف إلى احتمالات ما إذ تمكنت قوى التحالف من اقتناص وقف إطلاق النار وإفشال معركة مأرب الاستراتيجية، ودفع الحوثيين إلى طاولة التفاوض مرة أخرى.


- السيناريو الثاني: ينصرف إلى احتمالات تراجع قيمة "المتغير العسكري للتحالف" وذلك في حال ما تمكنت جماعة الحوثيين من تحقيق اختراق في مأرب واحتلال المدينة. وما يلي ذلك من احتمالية التمدد نحو الجنوب. 


ثالثا - آفاق التسوية السياسية في 2022:


بالرغم من "التفاؤل الحذر" والذي صاحب التغير بالإدارة الأمريكية نحو الديموقراطية، وما أعلنه "جو بايدن" حول استراتيجية لتوظيف كافة الأدوات الدبلوماسية "النهج المرن" في دفع مسار التسوية السياسية للمسألة اليمنية [8]، وفى مقدمتها : رفع الحوثيين من قائمة التنظيمات الإرهابية، ووقف الدعم العسكري لعمليات التحالف، وتعيين المبعوث الأمريكي "ليندركينغ"، وما قد تؤول إليه تحركاته المختلفة في احتمالات التوصل إلى طرح "عملية تسوية" بالمشاركة مع جهود الأمم المتحدة وعبر الوساطات مع القوى الإقليمية [9]، ودفعهم إلى تحويل فائض الانخراط العسكري على الساحة اليمنية إلى جهود الوساطة من أجل التهدئة ومن ثم التسوية السياسية. إلا أن كل تلك الترجيحات لازالت قيد الاختبار في 2022. وهو ما يدفع بدوره لإعادة النظر مرة أخرى في ترجيحات الترتيبات الإقليمية والدولية والأممية للتسوية السياسية بالمسألة اليمنية، وذلك على النحو التالي: 


1. الآفاق الإقليمية: 


تنعكس بدورها على مجمل التحركات/ والتفاعلات الإقليمية، ونتائجها سواء المباشرة او غير المباشرة، نحو خفض التصعيد والتمهيد لإنجاز مساعي التهدئة وخرق جمود التسوية السياسية، وهو يُختبر في 2022، وذلك بالنظر إلى نتائج التفاهمات القائمة في الوقت الحالي، حيث: 


- ما يمكن أن يُبنى عليه من نتائج التقارب الايراني السعودي، وذلك حال نجاحه، ومآلاته المباشرة نحو صياغة تهدئة ميدانية تمهيداً لبحث مسارات التسوية السياسية بين الأطراف المنخرطة بالمسألة اليمنية في إطار رعاية أممية. ويدعم هذا الطرح وجود رغبة لدى كلاً من المملكة السعودية والتحالف العربي في إنهاء الأزمة اليمنية وتداعياتها المتباينة سياسياً وأمنياً واقتصادياً وإنسانياً. 


- ما يمكن أن يُبنى عليه من الخبرات المتتالية لأدوار الوساطة العُمانية [10]، حيث أن تموضع سلطنة عمان الجغرافي الذي يطل على مضيق هرمز الاستراتيجي الذي تشرف عليه إيران جعل منها لاعباً دبلوماسياً محايداً في حل المشاكل التي تعاني منها الدول المجاورة – وخاصة اليمن - والتي تتشارك معها مسقط حدوداً جغرافية تمتد على مسافة تقدر بحوالي 300 كلم شرقا، الأمر الذي جعل مسقط تتدخل بالمسار السياسي، خوفاً من انتقال عدوى العنف إلى أراضيها. كما أن الدور العُماني قد يجد قبولاً من أطراف الصراع.


2. الآفاق الدولية: 


يُبنى على تلك الفرضية ما يمكن أن تعكسه التفاعلات الدولية بشكل غير مباشر على مسار التسوية السياسية، ويُشار بشكل رئيس إلى النقاط التالية [11]


- بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية: إعادة النظر في الدور المنوط بالمبعوث الأمريكي "ليندركينغ" للمسألة اليمنية وما يحمله من أجندة سياسية وأمنية للملف ذو الصياغات المضطربة والأطراف المتشابكة، بالإضافة إلى ما قد تفضي به نتائج الترتيبات بين واشنطن وطهران بشأن إعادة التفاوض حول الملف النووي الإيراني، وما قد ينعكس بشكل كبير على مسار الأزمة سواء بالتصعيد أو المهادنة. وذلك بالنظر إلى رغبة طهران في إعادة ترسيم "الصورة الذهنية" لسياستها الخارجية، وذلك عبر توظيف ورقة الحوثيين ودفعهم للقبول بالتفاوض لإقناع المجتمع الدولي برغبتها في تغيير سياستها الإقليمية، خاصة أن هذه المفاوضات ستحفظ لطهران نفوذها في اليمن. إذ ستُبقي على الحوثيين كطرف رئيسي في الترتيبات المستقبلية لكن بأدوات السياسة بعيدًا عن "أنماط العسكرة".   


- بالنسبة للاتحاد الأوروبي: بالنظر إلى سياسات الاتحاد المنفتحة على أطراف الصراع في اليمن، فمن جانب يؤكد على شرعية الرئيس اليمني، ويرى أن بقاء سلاح الحوثيين يمثل خطرًا على المنطقة والاستقرار الإقليمي. لكنه بالمقابل، يدور في حلقات مفرغة دون تبني منهج واضح لإدارة العملية السياسية بالمسألة اليمنية رغم التوافق التام مع كافة التحركات الأممية.  ومن ثم، فمن المُرجّح في ظل التحركات النشطة للمبعوث الأممي الرابع لليمن، وتطلعاته نحو إنجاز متطلبات "التسوية"، أن يتم الدفع بالكتلة الأوروبية نحو ذلك الأمر. 


- بالنسبة للصين: نظراً لأن بكين تتفق مع الرؤية القومية/ العربية في مواجهة الحوثيين، فضلا عن كون سياستها الخارجية تعتمد على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. فمن المُرجح أن يتم تطويع "التحركات الاقتصادية الصينية"، مثل: مشروع طريق الحرير الجديد بالمنطقة، للدفع بتحريك الملف اليمني نحو إنجاز متطلبات التسوية السياسية، لرأب التهديدات الأمنية لـ "مشروع الحرير".


- بالنسبة لروسيا: يتسم الموقف الروسي من المسألة اليمنية بالحذر والحياد التام، فعلى سبيل المثال: عند إصدار القرار 2216 امتنع المندوب الروسي عن التصويت، من أجل تمريره. إذ ترتبط أولويات موسكو بالملف اليمني بموقف الرياض - بشكل الكبيرة - وهو ما انعكس على مجمل التحركات الرامية للمهادنة مع المملكة العربية السعودية في ذلك الملف الذي يُعد ذو صبغة حيوية لأمنها الإقليمية، لكن بالمقابل، قد تتغير السياسات الروسية في التعامل مع ذلك الملف في حال أصبح هناك تدخل ملحوظ من جانب الإدارة الأمريكية الجديدة، وذلك في إطار إعادة إنتاج القطبية الثنائية وخرائط النفوذ بالشرق الأوسط. وهو ما يمكن استغلاله نحو الدفع بإنجاز متطلبات التسوية السياسية. وذلك بالنظر إلى أن موسكو دوما ما تسعى لتطويع الورقة اليمنية من أجل تبرير مواقفها السياسية والميدانية في سوريا، فعلى سبيل المثال: في أثناء محاولة تقديم مشروع قرار في مجلس الأمن لفرض حظر جوي على حلب السورية، طالب المندوب الروسي أن يكون هناك حظرًا مماثلًا في اليمن.


3. الآفاق الأممية:


تنصرف إلى بيان مدى قدرة/ وفعالية المجتمع الدولي مع تولي المبعوث الأممي الرابع إلى اليمن "هانز غروندبرج"، في التوصل إلى نقاط تماس وخلق مساحات مشتركة بين أجندات مختلف الأطراف المتدخلة بالملف اليمني، وتدفع بهم للقبول المرحلي بعدد من النقاط، الأولى: مشاركة كافة الأطراف والفواعل للحوار و التفاوض حول آليات التسوية السياسية، وثانياً: الالتزام بمخرجات ما قد يُستقر عليه أي اتفاق مستقبلي، ثالثاً: تعيين آلية لفرض عقوبات على من يعرقل جهود التسوية في حالة التوافق وقبول أطراف الأزمة بالشروع في المسار التفاوضي. إذ بالنظر إلى الخبرات التاريخية، نجد أن جماعة الحوثي دوماً ما توظف جولات التفاوض لتعزيز قدراتها وإعادة ترتيب صفوفها، والعمل على تخفيف الحد من خسائرها، وسرعان ما تعود مرة أخرى لحالة الصراع، وهو ما انعكس بعدد من المشاهدات، أبرزهمها: "الانقلاب على اتفاق السلم والشراكة عام 2014، الانقلاب على اتفاق استكهولم عام 2018، وآخر تلك المشاهدات ما تمثل فى رفض الجماعة لمبادرة السعودية في مارس 2021".


تأسيسا على ما سبق، فمن غير المُرجح أن يشهد عام 2022 تسوية شاملة للأزمة اليمنية. بالمقابل، يُحتمل أن يحدث اختراق في جمود العملية السياسية على أن يتم التوصل إلى ما يُعرف بـ "التسويات الجزئية"، والتي ترتكز بشكل رئيسي على خلق مساحات مشتركة ومحددات توافقية بين مختلف الأطراف المنخرطة بالأزمة، حيث يُحتمل أن تفضي بنتائجها إلى مكاسب أولية يُبنى عليها مستقبلاً، إذ في مقدمتها على سبيل المثال، أولاً: التوافق حول وقف إطلاق النار بين الطرفين، وثانياً: الدخول في جولة من التفاوض المُلزم تمهيداً لترسيم آفاق وملامح التسوية السياسية للمسألة اليمنية، وهو ما سيتم اختباره لاحقا بمجمل التفاعلات السياسية والأمنية في 2022.


د. إيمان زهران

 متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي 


الصورة: فرنس برس
المراجع:

[1] أحمد عليبة، المعضلة اليمنية: الصراع على الدولة المأزومة، كراسات إستراتيجية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، العدد 285، يوليو 2018، bit.ly

[2] مظاهرات في جنوب اليمن للتنديد بتدهور الأوضاع المعيشية، BBC عربي، 15/9/2021، bbc.in

[3] عام 2021 في اليمن: أحداث غير مسبوقة ومحطات مثقلة بالأزمات، مركز سوث 24 للأخبار والدراسات، تقرير سنوي، 28/12/2021، bit.ly

[4] إحاطة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، السيد هانس غروندبرغ أمام مجلس الأمن، مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن، OSESGY، 14/9/2021، bit.ly

[5] لحظة تاريخية في شبوة (south24.net)

[6] و [7] محمود قاسم، السلام المستعصي: أيُّ مستقبل ينتظر الأزمة اليمنية خلال عام 2022؟، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 30/12/2021، bit.ly

[8] Jeremy M. Sharp, Yemen: Civil War and Regional Intervention, Congressional Research Service, November 23, 2021, p.12: 14   sgp.fas.org

[9] Ahmed Nagi (FEBRUARY 12, 2021), What Does Biden’s Yemen Policy Mean for Saudi Arabia, Carnegie Middle East Center, carnegie-mec.org

[10] tacey Philbrick Yadav, Oman is a mediator in Yemen. Can it play the same role in Qatar? The Washington post, July 22, 2017, wapo.st

[11] إيمان زهران، لماذا تفشل جهود التسوية السياسية في اليمن؟، مركز سوث 24 للأخبار والدراسات، 8/8/2021، bit.ly


Shared Post
Subscribe

Read also