التحليلات

مستقبل الأحزاب السياسية التقليدية في اليمن

25-11-2021 at 10 AM Aden Time

language-symbol

سوث24 | فريدة أحمد


مرّت الأحزاب السياسية اليمنية بمراحل تاريخية صعبة، سطع نجم البعض منها، وأفل بريق البعض الآخر وضُمِر في غمرة الأحداث. غير أن الأزمة اليمنية الأخيرة والصراع الممتد منذ ما يقارب الثمان سنوات بدءاً من 2014، كشف عن "هشاشة" الأحزاب السياسية التقليدية مجتمعة؛ وأظهر مدى عمق الشلل الذي أصيبت به، وعدم قدرتها على تطويع المشهد السياسي أو القيام بالدور المتوقع منها على الأقل.


وبلمحة تاريخية سريعة للمشهد الحزبي ونواة العمل النقابي في اليمن، يُمكن القول أن أولى مراحله بدأت في الأربعينيات حتى نهاية الخمسينيات من القرن الماضي. وقد ظهرت أحزاب نخبوية؛ منها في الشمال حزب الأحرار الذي تأسس في عدن عام 1944، وحزب الاتحاد اليمني، والجمعية اليمنية الكبرى عام 1952. وفي الجنوب؛ الاتحاد الشعبي، ورابطة أبناء الجنوب، وحزب البعث العربي الاشتراكي، وحركة القوميين العرب[1]. أما المرحلة الثانية، بدأت في الستينات وحتى ثمانينيات القرن الماضي، وقد نشأت الأحزاب فيها كأحزاب أممية وقومية تحمل فكراً تنظيمياً يؤثر على قطاعات واسعة في الشمال والجنوب. كما أن مجمل هذه التنظيمات السياسية نشأت في عدن؛ وكانت فروعها في شمال اليمن تعمل بشكل سري بحكم قانون منع قيام الأحزاب السياسية الصادر –وقتذاك- سنة 1970. ولم تأتِ أواخر الثمانينات إلا وكانت الصورة الأيديولوجية تطغى على ملامح الأحزاب، وتكرّس حكم الحزب الواحد في اليمن الشمالي "حزب المؤتمر الشعبي العام"، وفي اليمن الجنوبي "الحزب الاشتراكي اليمني".


بعد قيام الوحدة اليمنية عام 1990، تم قوننة الأحزاب والتنظيمات السياسية عام 1991[2]، وتميزت تلك السنة بالاندفاع الشديد نحو تشكيل الأحزاب، بسبب مرونة القانون آنذاك التي أتاحت لكل من يريد تأسيس حزب أن يفعل. وقد وصل عدد الأحزاب المعترف بها رسمياً بعد قيام الوحدة بعامين؛ إلى (46) حزباً، وكان لكل حزب جريدته الرسمية. وتكوّنت الخريطة الحزبية من قسمين أساسيين: أولهما، حزبي السلطة الحاكمة وهما: حزب المؤتمر الشعبي وأمينه العام الرئيس "علي عبدالله صالح"، والحزب الاشتراكي اليمني وأمينه العام "علي سالم البيض". أما القسم الثاني: فضم كافة الأحزاب الشعبية والإسلامية، وأهمها الناصري والبعث وحزب التجمع اليمني للإصلاح[3].


وبالإشارة لحزب التجمع اليمني للإصلاح المنتمي أيديولوجياً لجماعة الإخوان المسلمين، ينبغي القول، أن الحزب حسب ما ورد في مذكرات أول رئيس له "عبدالله بن حسين الأحمر"، تأسّس بطلب من الرئيس علي عبدالله صالح آنذاك، ليكون رديفاً لحزب المؤتمر كحزب إسلامي مواجه للاشتراكي، ويتبنى مواقف معارضة ضد بعض النقاط التي يضطر المؤتمر الاتفاق عليها مع الاشتراكي، ليعمل الإصلاح على عرقلة تنفيذها بالاتفاق مع المؤتمر. ومن المعروف أن حزب الإصلاح اليمني مكوّن من قيادات من التيار المتشدد لجماعة الإخوان، ومن بين مؤسسيه "عبدالمجيد الزنداني"، الذي وصفته الولايات المتحدة الأمريكية بأنه "الأب الروحي لزعيم تنظيم القاعدة الأسبق أسامه بن لادن"[4].


وقد خلصت دراسة سابقة لعمرو حمزاوي إلى أنه وبالرغم "من توسّع قاعدة حزب الإصلاح في المناطق الوسطى والجنوبية  بعد 1994/ إلا أنّ القرار والمناصب التنفيذية العليا ظلت بأيدي النخب الزيدية في الهضبة"[5].


دور الأحزاب السياسية في الأزمات


كان من شأن تراجع دور الأحزاب السياسية التقليدية في اليمن وضعف أداءها، أثّر بشكل سلبي على مسار الأحداث السياسية في اليمن، وكرّس الصراع والمحاصصة بين القوى السياسية والحزبية، أن يؤدي إلى فشل قاد البلاد نحو أزمات متراكمة، عندما تحولت هذه القوى التي من المفترض أنها وطنية إلى قوى شريكة في الأزمات وأحد معضلاتها الرئيسية.


في عام 1994، عندما اجتاحت قوى الشمال "اليمن الجنوبي" الذي دخل في الوحدة شريكاً مع اليمن الشمالي عام 1990، لم تحرك الأحزاب السياسية ساكناً أو تتخذ مواقف واضحة ضد الاجتياح. واتخذت موقف الصمت والحياد، على اعتبار أنها أحزاب معارضة؛ لا تريد تأييد السلطة في الاجتياح، ولا تريد تأييد الحزب الاشتراكي أو تعلن معه موقفاً من الانفصال. بل إن البعض من تلك الأحزاب شارك في اجتياح الجنوب عام 1994، مثل حزب الإصلاح اليمني، إذ أصدر "عبدالوهاب الديلمي" أحد قادة الحزب وأحد مؤسسي الرافعة السياسية لإخوان اليمن، أصدر فتوى تستبيح دماء وأموال الجنوبيين، وتكفّر أعضاء الحزب الاشتراكي وتتهمهم بالردة[6].


إن إحدى الإشكاليات التي يمكن تسليط الضوء عليها قبل وقوع حرب 1994، هو الأزمة السياسية التي نشأت بين طرفين سياسيين اثنين (علي سالم البيض، وعلي عبدالله صالح)، ورغم ذلك، وعند توقيع وثيقة العهد والاتفاق في 18 يناير 1994 في عمّان، حضرت كل الأحزاب السياسية والوجاهات الاجتماعية، ما يقارب 300 شخصية يمنية، لم يكن أغلبها مؤثراً ولم يكن لها علاقة مباشرة بالأزمة السياسية. وهو الأمر الذي يقود لاستنتاج بأن تحويل الصراع من صراع جهوي بين الشمال والجنوب إلى صراع سياسي بين المكونات استلزم إدخال أطرافاً غير معنية بالأزمة، ولم يكن لها حضوراً مؤثراً في المشهد السياسي، ما أدى إلى بلورة الصراع السياسي إلى عسكري جهوي لاحقاً بين (الشمال والجنوب). وعلى إثر ذلك تعرّض المشهد السياسي العام للاهتزاز وفقدان التوازن عقب الحرب، لاسيّما بعد انتصار المؤتمر الشعبي وحلفاءه وبخاصة حزب الإصلاح، وتم إجراء تعديلات في الدستور وقانون الأحزاب، كما تم التشكيك بمشروعية الوجود القانوني لكل حزب، وتقلصت الأحزاب بعد ذلك إلى 22 حزباً.


وفي عام 2007، بعد نشوء الحراك الجنوبي، لم تتخذ الأحزاب موقفاً محدداً تجاه الحركة السلمية الشعبية التي نشأت في جنوب اليمن حينذاك، على الرغم من أن قادة الحراك حاولوا قبل ظهوره اتخاذ الحزب الاشتراكي اليمني حاملاً سياسياً له باعتباره أحد طرفي اتفاقية الوحدة؛ غير أن قادة الحزب وعلى وجه الخصوص المنتمية للشمال، خذلت الجناح الجنوبي المطالب بتصحيح مسار الوحدة وهو ما جعلهم يمضون لاحقاً بعيداً عن الأحزاب السياسية وشخصياتها.


وفي 2011، بعد اندلاع ما عُرف بثورة التغيير اليمنية، تم استدعاء الأحزاب السياسية ممثلة "باللقاء المشترك" للتوقيع على المبادرة الخليجية، على الرغم من أن الإشكالية الأساسية كانت بين شباب الثورة "الشارع"، وعلي عبدالله صالح. وهو ما قاد إلى تفاقم الأزمة مع الوقت؛ وسمح للحوثيين استغلال فوضى المشهد والانقلاب على سلطة الرئيس الانتقالي؛ لتصل إلى حرب أهلية مستمرة تكمل عامها السابع منذ 2014، لأن مقاربات الحل ما تزال تدور بين مسببي الأزمات والمكونات السياسية الضعيفة؛ دون الاعتراف بأبعاد الأزمات مع استمرار استبعاد مشاركة المتضررين منها وأصحاب المصلحة المباشرة.


ليست ثمة مبالغة في القول، أنه حتى وإن حضرت الأحزاب السياسية في أي تفاهمات أو مشاورات تتعلق بأزمة الصراع الأخيرة في اليمن، بدءاً من جولات مفاوضات السلام في جنيف والكويت أو استوكهولم أو اتفاق الرياض، فهي لا تؤثر على مسار الأحداث بشكل إيجابي؛ ولا تجد حلولاً للخروج من الأزمة، بل إنها أحياناً بتزاحمها من أجل الحضور كطرف سياسي قليل التأثير، تفاقم الوضع وتُهدر فرص كبيرة على المعنيين بالحلول.


أزمة الأحزاب السياسية اليوم


بالنظر إلى الأحزاب السياسية التقليدية راهناً، يمكن ملاحظة مدى الأزمة العميقة التي تواجهها، إذ تظل هذه الأحزاب بعيدة في الغالب عن القضايا المطلبية الحقوقية والسياسية التي تنشأ في الديمغرافيات المحلية العديدة؛ بل تشارك هذه الأحزاب في الصدام مع الحركات الجهوية المطلبية التي تنشأ في الأقاليم خشية أن تتحول هذه الحركات إلى مكونات سياسية تحل محل الأحزاب في المحاصصة على السلطة؛ ورغم الممانعة الشديدة للأحزاب التي تواجهها الحركات الشعبية يلاحظ أن دور المكونات الجهوية يزداد فعالية مقابل تراجع تأثير الأحزاب على الأرض رغم استئثارها بالتمثيل السياسي للصراع؛ ويمكن التطرق للأزمة التي تواجهها أهم ثلاثة أحزاب على الساحة اليمنية باختصار، كالتالي:



· المؤتمر الشعبي العام


إذا سلطنا الضوء على حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي كان حاكماً لأربعة عقود، نجد أنه بات اليوم أكثر الأحزاب شتاتاً وجموداً. ومما زاد الوضع سوءاً بالنسبة لأعضاء الحزب؛ هو إعلان رئيسه السابق "علي عبدالله صالح" التحالف مع الحوثيين للإطاحة بهادي. هذا الأمر وضع الحزب أمام خيارات صعبة، ليتفتت لاحقاً إلى ثلاثة أجزاء، جزء أرغم على البقاء في صنعاء ضمن المجلس السياسي الأعلى الذي كان مشكلاً بين حزب المؤتمر والحوثيين قبل مقتل "صالح" أواخر 2017، وجزء في الرياض من أبرز ممثليه "رشاد العليمي" و "أحمد عبيد بن دغر"، وجزء في أبوظبي بقيادة "أحمد علي" نجل الرئيس السابق صالح.


وقد عزا مراقبون أن إعلان "طارق صالح" إنشاء مكتباً سياسياً للمقاومة الوطنية التي يقودها، كان سببه تشرذم المؤتمر، على الرغم من أنه لو كان باستطاعة "طارق" امتلاك زمام المؤتمر تمثيلياً، فهو أمر يعد تقديرياً أفضل بالنسبة إليه كقوة سياسية وكمقاومة وطنية، مقارنة بمكتب سياسي ناشئ مؤخراً؛ ويستمد تمثيله الجماهيري من جزء من قواعد المؤتمر الشعبي العام. بيد أن "طارق" ليس لديه صفة تنظيمية أو رسمية في الحزب، ولا توجد هيئات حزبية مثلاً لانتخابه كممثل عن المؤتمر. وهذه إشكالية في عدم قدرة توظيف المؤتمر كحامل سياسي للمقاومة الوطنية، وكقوة أولى في شمال اليمن. وحتى على نطاق الجنوب، فالمؤتمر بات أعضاؤه موزعين بين الانتقالي الجنوبي أو مستقلين أو يعملون لدى أحزاب أخرى، وهو ما يعني أنهم كأفراد مازالوا متواجدين، لكن كحزب لم يعد له وجود أو تأثير في الجنوب.


· الحزب الاشتراكي اليمني


إذا ما أردنا وضع مقارنة بإرث الحزب تاريخياً كونه أكبر الأحزاب اليسارية في اليمن، ومدى تأثير دوره في مراحل تاريخية سابقة، وبين مواقفه في الوقت الراهن، سيبدو الأمر صادماً نوعاً ما. إذ يرى بعض المراقبين، أن تراجع الحزب عن دوره ومكانته التاريخية كان أحد أسبابها؛ هو نقل مقر الحزب من الجنوب للشمال، مما أثّر على بنيته التنظيمية وأضعف من أداءه، حيث تحوّل إلى حزب شمالي منذ 2005 بنسبة كبيرة، تشوبه الخلافات الداخلية والانقسامات بين قواعده.


كما أن الإشكالية الأبرز تمثّلت باحتكار صنع قرار الحزب بالأمين العام، وتهميش دور الهيئات الحزبية، عوضاً عن ندرة التواصل بين أعضاءه، الأمر الذي أحدث هوّة وفراغ فتح الباب للأحزاب الأخرى بالاستقطابات السياسية داخل الحزب، و محاولة جذب بعض أفراده لتحقيق مصالح الأحزاب الأكثر تأثيراً.


كما أنّ الحزب الاشتراكي اليمني خسر عددا كبيرا من قيادته الذين سقطوا في سلسلة من الاغتيالات قبل الحرب الأهلية في 1994، أو توجّهوا إلى المنفى عقب الحرب، ولم تكن السنوات الخمس عشرة الخيرة أخف وطأة على الحزب فقد شهد انشقاقات دورية في صفوفه، وتقدّم عدد من أعضائه بطلبات لجوء سياسية [7].


ويفرض السياق لزاماً بالتوضيح أن الحزب الاشتراكي قد توقف تقريباً عن نشاطه التنظيمي باستقطاب أعضاء جدد منذ ما بعد حرب 1994، ولأكثر من 26 عاماً، بما في ذلك الشباب اليوم، الذين إما ينتمي بعضهم لبيوت اشتراكية بالأساس؛ أو ينتمون إليه بدون عضويات رسمية. على سبيل المثال، كان عدد أعضاء الحزب المسجلين رسمياً في المؤتمر العام الخامس الذي عقد في 2005، 10 آلاف عضواً فقط. وبلا شك؛ بعد مرور أكثر من 16 عاماً منذ ذلك الحين، تناقص عدد أعضاؤه في ظل غياب التنسيب. وهو أمر يقودنا لتساؤل رئيسي مهم، عن كيفية منح الحزب الاشتراكي الحق أو الأهليّة لحسم قرارات سياسية مصيرية؛ بأعضاء لا يتجاوز عددهم 10 آلاف عضو إن لم يكن أقل بكثير، في بلد عدد سكانه يفوق 30 مليون نسمة؟ وهذا ينسحب أيضاً على بقية الأحزاب الأقل حضوراً من الاشتراكي، إذ يعد الاشتراكي ثالث أكبر الأحزاب السياسية في اليمن رغم حضوره الشعبي المتواضع.


· حزب التجمع اليمني للإصلاح


يمكن القول، أن حزب الإصلاح أكثر الأحزاب اليمنية تماسكاً على المستوى التنظيمي، وهي سمة تمتاز بها الجماعات والكيانات الدينية أو العرقية، فالإصلاح الذي يمثل الذراع السياسية للإخوان المسلمين، وإن كان يحمل سمات إيجابية على مستويات التأثير والجذب الشعبي وعدد الأعضاء، غير أن سياساته في خلق الصراعات مع كل من يختلف معه، تؤدي أحياناً للقتل وارتكاب الجرائم بحق خصومهم، كما حدث في حرب 1994، أو كما حدث بحق شخصيات كثيرة تم تكفيرها وتخوينها سياسياً تمهيداً لاغتيالها، مثل  اغتيال القيادي الاشتراكي جارالله عمر في صنعاء (2002) خلال مشاركته المؤتمر العام الثالث لحزب الإصلاح، أو الاتهامات الموجهة للحزب باغتيال العميد ركن عدنان الحمادي في تعز (2019).


غير ذلك، فحزب الإصلاح ورغم سيطرته على قرار حكومة هادي المعترف بها دولياً، وإمساكه بزمام أمور الجيش الوطني، يواجه اتهامات عديدة بفشل إدارة ملف الأزمة اليمنية على المستوى السياسي والعسكري، ويواجه أزمة ثقة من قبل الأطراف الإقليمية المشاركة في التحالف العربي، وفي مقدمتها السعودية والإمارات، إثر الانسحابات المتتالية من الجبهات وتسليمها للحوثيين بدون قتال، وهو ما أثبتته مصادر عسكرية في فيديوهات مصوّرة من شبوة ومأرب.


ويبدو جلياً، أنّ الرياض مازالت تتعامل بحذر مع حزب الإصلاح اليمني، إذ أنّ بقاء "سلطة" ضعيفة بالنسبة لها أكثر أمناً من "سلطة" متأثرة بحزب يمثّل أحد أركان جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، التي سبق واعتبرتها الرياض، العام الماضي عبر بيان لهيئة علماء السعودية، بأنها جماعة "إرهابية" لا تمثل منهج الإسلام، باتباعها أهدافاً حزبية لإثارة الفتنة والعنف والإرهاب [8]. فضلاً عن أن خضوع حزب الإصلاح لتأثير التنظيم الدولي للإخوان المسلمين يفرض عليه أجندات تتصادم في نقاط كثيرة مع أهداف التحالف العربي والقوى المحلية التي تقاتل الحوثيين.


وعلى هذا الصعيد، أشار مراقبون، أنّ حزب الإصلاح قام بتوظيف أطرافاً سياسية؛ بما فيها الأحزاب الأقل تأثيراً في المشهد السياسي، لمصالح أجندات الجماعة في اليمن. وقد أُعلن عن تحالف مؤلف من 16 حزباً سياسياً في مدينة سيئون في إبريل 2019، فيما ذُكر أنه دعماً لجهود استعادة السلطة من الحوثيين [9]. وقد كان "محمد اليدومي" رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح، قد أعلن فيه عن 6 أهداف للتحالف اليمني المذكور [10]. وشككت أطراف وقوى سياسية عديدة أن التحالف المعلن يضم أحزاباً وهمية، هدفها تحقيق أغراض سياسية لأحزاب بعينها وتنفيذ أجندات خارجية.


يمكن القول، إنّ الحضور الهش للأحزاب السياسية التقليدية في مشهد الأزمة اليمنية الأخيرة، سمح بتوسع نشاط حزب الإصلاح على الصعيدين السياسي والعسكري في أكثر من موقع. كما إنّ تأثير الأخير على بعض الشخصيات السياسية بما فيها قادة بعض الأحزاب، جعل من الأخيرة تتمسك بالإصلاح وتتحالف معه على اعتبار أن مصالحها لن تتحقق إلا عبره، وهذه من الإشكاليات التي أعاقت العمل السياسي وأطالت أمد الأزمة.


هل التمثيل الجهوي هو الحل؟


لقد مكّن تراجع ثقة الشارع اليمني بالأحزاب السياسية التقليدية، القوى والكيانات السياسية "الجهوية" الناشئة، تصدر المشهد في السنوات الأخيرة لتنال ثقة الجماهير. وفي مقدمة تلك الكيانات "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي انضوى تحت كيانه كثير من أعضاء تلك الأحزاب في جنوب اليمن، كالمؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي إلى جانب الحراك الجنوبي.


وفضلاً عن كون المجلس الجنوبي يمثّل قاعدة شعبية واسعة في جنوب اليمن، فهو كيان نشأ بعيداً عن تمثيل اليسار أو القومية أو الإسلام السياسي، ونشأ كممثل عن قضية الجنوب السياسية، وفرض حضوره كقوة سياسية وعسكرية كبيرة نظّمت نفسها على هذا الأساس داخلياً وخارجياً.


بروز هذه التشكيلات الجهوية، ينطبق بالمقابل على مأرب، التي يسعى لانتزاع تمثيلها "حزب الإصلاح"، متجاوزا القبائل المحلية الفاعلة فيها، التي تعرّضت للتهميش لسنوات. وهو الحال ذاته بالنسبة لتهامة وتعز، أو حتى صعدة التي رفع الحوثيون شعار قضيتها وقادتهم للسيطرة على العاصمة اليمنية ومعظم مناطق الشمال.


لذا، من البديهي، أنّ يكون للمجتمعات المحلية وكياناتها الناشئة المنبثقة عنها، والممثلة عن أبنائها، الأولوية بالجلوس على طاولة المفاوضات لتقرير احتياجات ومطالب مجتمعاتها، وليس الأحزاب السياسية، التي أثبتت هشاشتها. لأنّ المشكلة الأساسية التي أنتجتها الحرب الأخيرة في اليمن؛ هي مشكلة ديمغرافيات سواء بين الجنوب والشمال، للاعتبارات القانونية والسياسية التي نتجت عن فشل مشروع "الوحدة اليمنية، أو داخل الشمال نفسه لاعتبارات الحكم الاستبدادي خلال الفترات الماضية وغياب العدالة المجتمعية. الأمر الذي يعني أنّ حلول التسوية السياسية من المفترض أن ترتكز على توزيع السلطة والثروة بين المناطق، وليس على أساس التوزيع السياسي للأحزاب.


وبناءً على هذه المعطيات، فإنّ مشاركة المجتمعات المحلية المعنية بكل ممثليها، سواء في الجنوب أو الشمال، مهم في إرساء السلام، لأنّ تجاهل الأطراف المعنية في الحلول يولّد صراعات لا منتهية، والتاريخ السياسي الحديث في اليمن شاهد على ذلك.


ومن المرجّح أن يقود ذلك إلى تضاؤل دور الأحزاب التقليدية بشكل أكبر مما هو عليه راهناً، لتحل محلها الكيانات السياسية الجهوية الناشئة.


فريدة أحمد
باحثة زميلة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، متخصصة في الشؤون السياسي

- الصورة: (إعلام محلي)


المراجع:

1]] صحيفة الأيام - الأحزاب السياسية في اليمن.. الطريق إلى الحرب الأهلية ! (alayyam.info)
[2] قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية 1991, hrlibrary.umn.edu
[3] Al Moqatel - الوحدة اليمنية والحرب الأهلية  (1994) 
[4] United States Designates bin Laden Loyalist (treasury.gov)
[5] عمرو حمزاوي (2009)، بين الحكومة والمعارضة: نموذج التجمع اليمني للإصلاح، مركز كارنيغي
[6] فتوى الديلمي الشهيرة عام 1994 لقتل شعب الجنوب - YouTube
[7] مواجهة على أبواب الانتخابات - Carnegie Endowment for International Peace
[8] النص الكامل لبيان هيئة كبار العلماء بشأن "إرهاب الإخوان" | أخبار سكاي نيوز عربية (skynewsarabia.com)
[9] الأحزاب السياسية اليمنية تشكل تحالفا لدعم الحكومة الشرعية (almashareq.com)
[10] صحافة اليمن : ”اليدومي“ يعلن عن ”9 أهداف“ لأكبر تحالف سياسي في تاريخ اليمن (sahafahn.net)


Shared Post
Subscribe

Read also