التحليلات

تعقيدات إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع في اليمن

01-10-2021 at 9 PM Aden Time

language-symbol

سوث24| قسم التحليلات


فيما  يتجه الصراع في اليمن نحو الدخول في مرحلة جديدة، وذلك استنادا إلى ما حملته "الإحاطة الأولى" للمبعوث الأممي الرابع "هانز غروندبيرغ" أمام مجلس الأمن من رسائل متباينة لمختلف الأطراف والفواعل المنخرطة بالمسألة اليمنية، باتت آفاق وتحديات إعادة الإعمار أكثر وضوحاً، وذلك على الرغم من العديد من المعالجات المتشابكة والمُعقدة التي تفرض نفسها على سياق العملية برمتها، ليدفع ذلك نحو التساؤل حول: مدى إمكانية اليمن من خوض عملية إعادة إعمار ناجحة في مرحلة ما بعد الصراع، وكيف لها أن تحقق هذا في ضوء العديد من التعقيدات المتشابكة والتحديات القائمة؟، خاصة أنَّه وبالرغم من الجهود والأدوار التي تقوم بها المؤسسات الدولية الرسمية، والمنظمات العالمية غير الحكومية، ومبادرات القوى الإقليمية والدولية لإعادة بناء أو إعمار اليمن في مراحل ما بعد النزاعات، إلا أنَّ هناك "مساحات رمادية" تجعل من المحتمل تعثر تلك الجهود، بشكل أو بآخر، وهو ما يتم إيضاحه في النقاط التالية: 


معالجات مُتشابكة/ مُعقدة 


ثمة أوضاع محلية داخلية، وتفاعلات إقليمية، وتحركات دولية حديثة في بيئة التفاعلات الإقليمية، فرضت معالجات مختلفة لإشكالية "إعادة الإعمار" للدول المُتضررة في الصراعات المسلّحة على نحو ما هو قائم في الدولة اليمنية، أهمها ما يتمثّل في التالي:



1. أنسنة الإعمار: إحدى أهم المعالجات التي تأتي في إطار مسألة إعادة إعمار الدول بالإقليم في مراحل ما بعد النزاعات، حيث دوماً ما يتم الوقوع في خطأ ترتيب الأولويات، إذ يتم التركيز أولاً على إصلاح الُبنى التحتية من مرافق صحية وتعليمية ومياه الصرف الصحي وخطوط النقل والمواصلات، ونقل "مخلفات الحرب" دون بذل جهود لإعادة تأهيل الشعب/ الأفراد الذين عانوا من ويلات الصراعات. فالجدير بالذكر، هناك العديد من الكتابات التي تتناول الأبعاد المختلفة لسيكولوجية هؤلاء الأفراد، إذ تمَّ تصنيفهم بـ "الأجيال الضائعة" التي ولدت في خضم تلك الصراعات. فهؤلاء في "المناطق المتضررة من الصراع" يحتاجون إلى مزيد من الدعم لمساعدتهم وأطفالهم على مواجهة الدمار النفسي الذي يواجهونه، فالصدمات النفسية التي تعرضت لها أسر بكاملها، وخاصة الأطفال، تؤثر بشكل كبير على أنماطهم السلوكية وتجعلهم مُعرّضين للانفصال عن محيطهم الجغرافي. ومن ثم، فإنَّ جهود إعادة الإعمار لا تقتصر على الموارد المالية فقط، ولكن يجب النظر للأبعاد الإنسانية.


2. توقيت الإعمار: ثاني تلك المعالجات ما يتعلق بالوقت الملائم للبدء في إعادة الإعمار، هل سيتم ذلك أثناء الصراع، أم بعد عملية التسوية السياسية؟، إذ تعتمد بعض القوى الإقليمية والدولية على "تحركات إعادة الإعمار" كمدخل استباقي لعملية التسوية السياسية، وليس اعتماد الخطوات فيما بعد التسوية وإقرار السلام. فعلى سبيل المثال: تقوم السعودية والإمارات بأدوار متوازية لإعادة إعمار عدد من المناطق التي دمرها الصراع في اليمن، دون النظر للتضليل الحوثي وخروقاته المتكررة لكافة جهود التسوية السياسية. حيث شارك البرنامج السعودي لـ "تنمية وإعمار اليمن" [1]، وذلك بدعمه لـ 7 قطاعات حيوية في اليمن، تمثلت في: قطاع الصحة، والتعليم، والكهرباء والطاقة، والزراعة والثروة السمكية، والمياه والسدود، والطرق والموانئ والمطارات، والمباني الحكومية، وتمَّ عرض المخرجات الإيجابية لتلك التحركات في الثلث الأخير من سبتمبر 2019، على هامش أعمال الدورة الـ 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، برئاسة المشرف العام على البرنامج السفير محمد بن سعيد آل جابر. 


3. ماهية الإعمار: وهو ما يتعلّق بالنطاق الموضوعي لعملية إعادة الإعمار ومُحددات الاستهداف، إذ يظن البعض أنَّ تلك العملية تتعلّق فقط بالجانب المادي وما يترتب عليه بانتظام المخصصات المالية لإعادة بناء ما دمره الصراع. إلا أنَّه بالمقابل، فعملية إعادة الإعمار تتطلب آليات أخري غير اقتصادية/ مالية، تتمثل أبرزها في: إصلاح قطاعات الأمن وتأهيل قوات الشرطة، وتعزيز المصالحة المُجتمعية، والحوكمة الرشيدة المرتبطة بعمل معايير لمراحل ما بعد تدهور المؤسسات بهدف بناء قدراتها وتطوير مهامها بشكل تدريجي.


4. تمويل الإعمار: إحدى أهم التعقيدات التي تواجه عملية إعادة الإعمار ما يتعلق بكيفية توفير الموارد المالية المخصصة لتلك العملية، خاصة وأنهَّ من الصعب – بالنسبة للحالة اليمنية – الحديث بالوقت الحالي عن مبدأ "الملكية الوطنية للحلول"، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية بالوضع الحالي سواء نتيجة لمآلات الصراع، أو ما يتعلق بالانعكاسات السلبية لجائحة كورونا. ليصبح التحدي الرئيس في مرحلة ما بعد الصراع، يتمثل في: كيفية بناء شراكات حقيقة وفعّالة لمواجهة مجمل التحديات السياسية والاقتصادية.


5. شركاء الإعمار: تتمثل في الإشكالية النوعية التي تتعلق بصراع القوى الدولية والإقليمية على تقاسم مخصصات الاستثمارات لعمليات إعادة الإعمار في الدول التي شهدت صراعات داخلية مسلحة أو معارك في مواجهة فواعل من دون الدول، مثل حالة "جماعة الحوثيين". بحيث يتم إدارة هذا الأمر دون الإخلال بالمصلحة الوطنية.


الخبرات السابقة لعمليات "إعادة الإعمار" في اليمن


ثمة مناقشات متداولة بين العديد من القوى المنخرطة بالملف اليمني حول عملية التعافي وكيفية البدء في إعادة الإعمار، إلا أنّه، وحتى وقتنا هذا، لا توجد خطة واضحة وشاملة لترسيم الأولويات، وبيان متطلبات إعادة الإعمار، إذ في حين يعمل البنك الدولي على تطوير مخطط للتعافي وإعادة الإعمار، إلا أنَّه لا يظهر وجود لأي تحرك دولي آخر بهذا الاتجاه إلا فيما ندر. وعلى صعيد آخر، تُرجمت التحركات الإقليمية فيما أطلقته السعودية والإمارات لبرنامج العمليات الإنسانية الشاملة في اليمن، إذ لم يثمر إلا عن بعض النتائج الزهيدة تمثلت بإعادة إصلاح بعض الطرق. فمنذ أن أعلنت الرياض عن البرنامج السعودي للتنمية وإعمار اليمن يبدو أنَّ العمل به يتم على نطاق محدود وقصير الأمد، وما يزال محدوداً في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية المُعترف بها دولياً.


تأسيساً على ذلك، فهناك العديد من التجارب السابقة لعمليات إعادة الإعمار في اليمن، تمثّل أبرزها في خمس مبادرات شكلّت التاريخ الحيوي لمبادرات إعادة الإعمار:


مبادرة مجلـس إعادة إعمار ذمـار، والـذي تأسـس عقـب زلـزال عـام 1982.

مبادرة صنـدوق إعـادة إعمـار صعـدة، بعـد حـرب صعدة الثالثــة عـام 2007.

مبادرة صندوق إعادة إعمار محافظتي حضرموت والمهرة، والـذي انطلق عقـب الفيضانات عـام 2009.

مبادرة المكتب التنفيـذي لإعادة الإعمار، وذلك عقب انتفاضة عـام 2011.

مبادرة صنـدوق إعادة إعمار أبين، عقب سيطرة تنظيم القاعدة على أبيـن عـام 2012.


بالمقابل، فبتقييم تلك الجهود السابقة لإنجاز عمليات إعادة الإعمار، نجد أنَّها افتقرت إلى الاستقلالية والشـفافية، وعـدم كفاية التمويل، بالإضافة إلى ضعف التنسـيق بيـن كافة المشاركين في جهود إعـادة الإعمار في كل مـن هـذه المبادرات.


تحديات "إعادة الإعمار" في اليمن 


أفضت التطورات المتتالية بالصراع السياسي والميداني بالملف اليمني، إلى مزيد من التعقيدات والتي فرضت معها معالجات خاصة، أهمها: خلق تدابير نوعية للربط بين الملف الإنساني، وآليات مواجهة التحديات المالية، وما يتعلّق ببنية الحماية الاجتماعية، وإعادة تأهيل البنية التحتية، وتعزيز سيادة القانون، جنباً إلى جنب مع إقرار استراتيجيات تُعزّز من أنماط الحكم المحلي وإشراك السكان المحليين في عملية إعادة الإعمار، لا سيّما في عملية التخطيط وتحديد الأولويات، وذلك على النحو الذي يفرض معه العديد من التحديات عند إنجاز معالجات إعادة الإعمار: 


1. تحدي الأوضاع الإنسانية:


بات الانتشار الواسع لأزمة انعدام الأمن الغذائي أحد أكثر التحديات الإنسانية إلحاحاً في اليمن، وذلك جنباً إلى جنب مع تدمير البنية التحتية لخدمات الصرف الصحي، بالإضافة إلى تأزم الأوضاع الاقتصادية، فضلاً عن التداعيات السلبية لجائحة كورونا على كافة القطاعات الإنسانية والصحية والاقتصادية، إذ يمر اليمن بأزمة إنسانية مُمتدة غير مسبوقة، جعلت العديد من اليمنيين يعتمدون في الغالب على الإغاثة والتحويلات المالية. كما أنَّ انخفاض قيمة العملة والاضطرابات التجارية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، والنقص الحاد في إمدادات الوقود، وتعطيل العمليات الإنسانية وتقليص حجمها، دفعت جميعها نحو تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، على نحو بات يؤشر لاحتمالية تعرض اليمنيين لخطر المجاعة. [2]


وفقاً لذلك، وعند الحديث عن هيكلة أولويات "إعادة الإعمار"، يُجدر النظر لتدابير "مكافحة التضخم باستراتيجية الأمن الغذائي اليمني"، والتي ترتبط بشكل مباشر بأهمية انتهاج تحركات تضمن النمو الاقتصادي بمختلف أبعاده وانعكاساته المباشرة على توطئة المساعدات الإنسانية وإنجاز متطلبات الأمن الغذائي.


2. التحديات المالية:


إحدى أهم التحديات التي تواجهه "عملية إعادة الإعمار"، إذ وفقاً لتقرير البنك الدولي الصادر في إبريل 2021 [3]، فقد تقلص الاقتصاد اليمني بشكل حاد، وذلك عقب تضرر قطاع النفط – الذي يُعد أكبر مصادر الصادرات اليمنية - من انخفاض أسعار النفط العالمية. وبالمقابل، عانى النشاط الاقتصادي غير النفطي بشكل كبير من التباطؤ التجاري المرتبط بتداعيات جائحة كورونا، بالإضافة إلى تعمّق النقص في العملات الأجنبية بشكل أكبر، مع انخفاض عائدات النفط، وتقليص حجم المساعدات الإنسانية، حيث تسارع التضخم بسرعة في عام 2020. ولعب ضعف العملية المحلية دورًا رئيسيًا في احتدام الأزمة المالية، وذلك بالتوازي مع الاضطرابات التي انعكست بشكل مباشر على جائحة كورونا، مثل انعدام الأمن، والقيود/ والحمائية التجارية، وأزمة سلاسل التوريد، إلخ.


ومن ثم، للخروج من تلك الإشكالية، يستلزم ذلك عدداً من التحركات، أبرزها: التحرك الاول، مُتمثّلاً في إعادة تشغيل قطاع النفط والغاز، إذ تسهم عودة الإنتاج وتنامي منحنى الصادرات إلى الدفع بمعدلات النمو الاقتصادي نتيجة عودة تدفق النقد الأجنبي، ومواجهة اختلالات ميزان المدفوعات والعجز النقدي الحاد في الموازنة العامة، كما أنَّ ذلك التحرك سيسهم بشكل فعال في تغطية بعض تكاليف إعادة الإعمار الباهظة. بينما التحرك الثاني يتمثّل في "معادلة المساعدات المالية"، وذلك بإعادة النظر دوماً في التدفقات المالية المفاجئة للمساعدات الخارجية، إذ أنَّ تلك المساعدات المالية قد تُحدث اضطرابات في السوق المحلية مثل التضخم والارتفاع الحاد للأسعار، وهو ما يدفع نحو اتخاذ المزيد من الاجراءات الاحترازية، أهمها ما يتعلق بـ "حماية العملة المحلية"، وكذلك "تمرير التمويل الخارجي" عبر قناة البنك المركزي اليمني لتعزيز احتياطي العملة الأجنبية في البنك.


3. تحدي الحماية الاجتماعية:


ألحق الصراع الدائر في اليمن العديد من الخسائر، أبرزها ما تعلق بـ: انخفاض جودة المُرفقات التعليمية والصحية في اليمن والتي بالأساس تعاني من تردي ملحوظ، وتقويض الحماية الاجتماعية للمجموعات المستضعفة والمهمشين، إلخ. وهو ما يدفع بالحديث عن الجهود الممكنة لإعادة الإعمار والإصلاح، كأن يتم صياغة برامج اجتماعية شاملة للجميع، حيث يجب أن تستهدف جهود التعافي وإعادة الإعمار جميع أفراد المجتمع "الأطفال، والنساء، والشباب، والشيوخ"، وكذلك التركيز على "نوعية" البرامج وليس فقط على الكم، فعلى سبيل المثال: إحدى أهم التحديات ما يتعلق بالبرامج التعليمة، إذ أنَّ جهود إعادة الإعمار لا تنطوي فقط على إعادة بناء المدارس المتضررة، ولكن، يجب أن يشتمل ذلك على هيكلة خطط لاستثمارات أكثر شمولية وجدية في التعليم تتناسب ومتطلبات بناء الدولة فيما بعد إنهاء مرحلة الصراع.


الجدير بالذكر، أنَّه ثمة إشكالية آخري تتعلق بـ «رأب تصدع التكوينات المجتمعية"، إذ يمثّل ذلك التحدي بفعل الصراع، قضية تعرقل نجاح جهود إعادة الإعمار، والنمو الاقتصادي، وإعادة بناء مؤسسات الدولة. وهو ما يدفع نحو النظر بالدفع ببرامج مجتمعية تستهدف نبذ الأيديولوجيات السلبية والافكار المتطرفة، فضلاً عن النظر في إشكالية نزع السلاح، ومنهاجية إعادة دمج المقاتلين في المجتمع.

 

4. تحدي إعادة تأهيل البنية التحتية:


تتشابك تلك الإشكالية مع عدد من الموضوعات التي يجب النظر إليها، وأخذها في الاعتبار عند الحديث عن "إعادة التأهيل للبنية التحية"، وذلك ببحث ثلاث أنماط من الاستهداف، الأول: مشاريع التنمية البشرية، مثل مشاريع التعليم والصحة، والثاني: مشاريع متوسطة الحجم، مثل الطرق والجسور، والثالث: مشاريع البنية التحتية والمشاريع العملاقة، مثل بناء المطارات والموانئ البحرية، وهو ما يتضح بالنقاط التالية:


- تحدي إعادة بناء المتضرر من البنية التحتية خلال الصراع، مثل: المرافق الخدمية والحيوية من مستشفيات ومدارس وصرف صحي إلى الطرق والمطارات، وإعادة بناء الطرق، وشبكات الطاقة، ومرافق المياه، والمنازل، إلخ.


- تحدي إعادة تأهيل "الموانئ"، إذ في حال تمَّ إنجاز تلك النقطة، سيعزّز ذلك من ترتيب الأولوية الجيوسياسية لليمن – في مرحلة ما بعد الصراع - على خريطة نقاط التمركز الرئيسية للتجارة الإقليمية والدولية، وكذلك تعزيز ربط اقتصاد اليمن بالاقتصاد الإقليمي والعالمي، وذلك بالنظر لحركة عبور الواردات والصادرات اليمنية من وإلى الأسواق العالمية.


- تحدي إعادة بناء شبكات الطاقة في اليمن، والتركيز بصفة رئيسية على مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية، عوضاً عن الاعتماد على شبكة الطاقة الوطنية المكلفة والضعيفة. حيث يجب إجراء تقييم لمصادر الطاقة المُمكنة على المستوى الوطني والمحلي. 


- تحدي إعادة تأهيل "المطارات"، وذلك بدءًا بالنظر لعمليات الإصلاح قصيرة المدى، والتي تُمكّن المطارات من مباشرة عملها، ويلي ذلك النظر في بناء مطارات جديدة على المدى الطويل. على أن يتم إلحاق تكاليف بناء مطارات جديدة بميزانية إعادة الإعمار.


- تحدي بناء وإدارة ملف "تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في اليمن"، والذي يُعد شرطاً مسبقاً لإنجاز متطلبات التنمية الاقتصادية في عصر الرقمنة، وبوصفه أداة تسمح بحفظ وسرعة نقل البيانات. فعلى سبيل المثال، عبر تطوير مراكز بيانات، سيسهل من تتبع أرقام الضمان الاجتماعي والفوائد المقدمة للمستفيدين وفئات الاستهداف.


- تحدي الموائمة ما بين "المساهمة المحلية" و"مساهمة المانحين الدوليين والإقليميين"، وذلك عبر الحيلولة دون فرض مانحي الخارج لشروط تمنح امتيازات للشركات الإقليمية والدولية، والنظر للدور الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص في خلق بيئة داعمة للريادة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة. وعلى سبيل المثال: تأسيس قطاع مالي لدعم علميات إعادة الإعمار. وكذلك التركيز على وضع نظام يضمن الإنتاجية والاستدامة وعلى أساسه يتمكن القطاع الخاص من المساهمة في المشاريع الضخمة مثل إعادة بناء المطارات، والموانئ البحرية، والطرق السريعة، دون إغفال بناء تدابير صارمة لدرء قنوات الفساد.


5. تحدي إشراك الحكم المحلي:


وذلك عبر تفعيل دور المؤسسات والسلطات المحلية ونزع سمة المركزية في جميع مراحل عملية إعادة الإعمار، مثل: عمليات تعيين الاحتياجات والتخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقييم والمساءلة. وعلى الرغم من ضعف المؤسسات المحلية وافتقارها للقدرات اللازمة لتولي دور ومسؤولية تنفيذية في عملية إعادة الإعمار بصورة مباشرة في تلك الأثناء، إلا أنَّه بالمقابل، هناك عدد من التجارب التي أثبتت فيها نجاعة الحكم المحلي، مثل: الحالات التي تمَّت في عدن، حضرموت، الحديدة، تعز، ومأرب، إذ أثبتت السلطات المحلية فعاليتها في إدارة الأزمات - قبل فترة الصراع - مُقارنة بغيرها.


6. تحدي سيادة القانون:


وذلك عبر إعادة بناء الثقة في السلطة المركزية وحكم القانون في إطار خطوات وإعادة الإعمار فيما بعد الصراع، فعلى سبيل المثال: ثمة تحدي يتعلق بإنجاز متطلبات إعادة بناء مؤسسات الدولة الرئيسية، وتحسين الإدارة العامة والإدارة المالية، وإعادة تأهيل الجهازين الأمني والقضائي. إذ لا يجب تهميش المساهمة الكبيرة لهذه المنجزات في عملية التعافي وإعادة الإعمار عبر محددات قانونية مُلزمة في إطار ما يعرف بـ "سيادة القانون"، دون إغفال خصوصية المجتمع اليمني، ومحركات النزاع، وذك لتفادي أي توترات من شأنها أن تزيد الأمور تعقيداً.


ختاماً 


تعد إعادة الإعمار عملية سياسية واقتصادية تنطوي على بعدين رئيسين، الأول: إعادة بناء الدولة، والثاني: إعادة تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع بعد انتهاء الصراع. لذا، يُعتبر التفاعل بين العوامل السياسية والاقتصادية إحدى محددات آفاق الاستقرار في مرحلة ما بعد الصراع.


والجدير بالذكر، أنَّ اليمن تُعد من الدول ذات المحدودية بالموارد، وهو ما سيفرض عليها عدداً من التحركات عند النظر لمرحلة "إعادة الإعمار"، أهمها، ما يتعلق بجدوى إحراز المزيد من التقدم على الصعيد المؤسساتي، أي أنَّ عليها إنشاء هيئات ذات صدقية لإنفاذ القانون وتعزيز أمن الأفراد وحماية الأملاك، إذ من شأن تلك التدابير أن تزيد احتمال تحقيق تعافٍ اقتصادي مستدام بعد الحرب يسهم في دفع وإحكام عملية إعادة الاعمار، وهو ما أصبح يعوّل عليه بالتحركات الحالية استنادا للانفراجة النوعية التي شهدتها المسألة اليمنية عقب الإحاطة الأولى للمبعوث الرابع للأمم المتحدة وتفاعلاته المختلفة مع مختلف الأطراف المنخرطة بالصراع، في محاولة لإنجاز هيكل العملية السياسية والتوصل لتوافقات مشتركة حول "التسوية السلمية، تمهيداً للبدء في عملية إعادة الإعمار.


د. إيمان زهران 

متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الاقليمي 


- لتحميل وقراءة الورقة بصيغة البي دي إف (من هنا)

الصورة: رويترز 


Shared Post
Subscribe

Read also