التحليلات

هل بات المجلس الانتقالي اللاعب الأقوى في الأزمة اليمنية؟

22-01-2021 at 8 PM Aden Time

language-symbol

سوث24| قسم التحليل


ازدحمت الأعوام والأشهر الأخيرة بالأحداث والمتغيّرات الهامة حول العالم، دفعت، وفقاً لطبيعتها، عدداً من البلدان والإدارات والأنظمة والقوى السياسية إلى التغيير في تعاطيها مع التحديات داخلياً وخارجيا، بما فيها الأداء السياسي.


فمثلاً، تعهّدت الإدارة الأمريكية الجديدة بتغيير واسع في السياسة الأمريكية داخلياً وخارجياً، على خلفية الأحداث الأخيرة التي عصفت بالداخل الأمريكي، بعد بروز حركات التطرف اليميني الخطرة. وفي اتجاه يبدو معاكساً نوعاً ما تستجيب فرنسا لعملية تغيير في أدائها السياسي، بسبب أحداث الرسوم المسيئة لنبي الإسلام، داخل فرنسا. كانت المملكة المتحدة قد سبقت الدولتين مُحدثةً نقلةً نوعيةً في سياستها، بخروجها النهائي من الاتحاد الأوروبي.


على مستوى أدنى تتعهد السعودية بإحداث أكبر عملية تغيير في أدائها السياسي من خلال "رؤية 2030". مصر تذهب بخطى ثابتة ناحية التغيير لتعزيز دورها في المنطقة، مع عدم التفريط، بتقليص دور جماعات الإسلام السياسي والقوى الداعمة له. شكّلت اتفاقات السلام بين إسرائيل ودول الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والسودان والمملكة المغربية الهاشمية، تغييرا جذرياً للمفاهيم والمواقف السياسية العربية الصارمة، تجاه إسرائيل، التي ظلّت خطاً أحمرا لعقود، وأعادت بالتالي تشكيل تحالفات المنطقة.


عصية على التغيير


في اليمن، لربما ظنّ بعضُ اللاعبين الدوليين أنّ ما حدث من انقلاب لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين) على الحكومة الشرعية اليمنية وإسقاط العاصمة صنعاء، في ظلّ عدم وجود متعهد سياسي يملك الجرأة على إحداث تغيير حقيقي، وفي ظل تغلغل الثقافة الرجعية في هيكل الدولة اليمنية العتيقة والحضور المتجذر لثقافة "أنا ومن بعدي الطوفان" في صدارة المشهد السياسي اليمني، أنّ الحوثي قد يكون المتعهد الحصري بإحداث تغيير سياسي وعقائدي إلى الأفضل.


لكن جماعة الحوثيين، المدعومة من إيران، أثبتت قدرتها الهائلة والخطيرة على فعل العكس تماماً، عبر اعادة إنتاج ذات العقلية السياسية الضالعة في تصدير الإرهاب وتهديد السلم والأمن الدوليين.


بعد أن أبدت الإدارة الأمريكية السابقة مخاوفها من الجماعة الحوثية، وكخطوة أولى اعتبرت الحوثيين بأنّهم "جماعة ذات قلق خاص"، أثبت الحوثيون في 30 ديسمبر كانون الأول 2020، من خلال استهدافهم الصاروخي لمطار عدن الدولي أثناء وصول حكومة المناصفة، صحة الفرضية الأمريكية، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة المسارعة بتصنيفهم كمنظمة إرهابية ومنظمة إرهابية عالمية بشكلٍ خاص.


لقد ظلّت صنعاء كما كانت عصية على التغيير، بنزعتها الإسلامية المتطرفة، وحتى غير قادرة على التعهد بالتغيير في الوقت الذي بدت فيه عاجزة عن امتلاك قرارها السياسي، عندما ظهر السفير الإيراني لدى صنعاء في موقع المسيطر والمتحكم بقرار الجماعة الحوثية وأجنداتها العسكرية والعقائدية المتطرفة.


طبيعة الأداء الشمالي للحوثيين وتنظيم الإخوان المسلمين، وقف عائقاً أمام المحاولات السياسية في جنوب اليمن، التي تسعى لإحداث تغيير حقيقي يغادر مربع التعاطي الثوري والطائفي إلى مربع التعاطي السياسي والدبلوماسي، ويقضي على ثقافة التطرف العقائدي، حيث ظلّت ممارسات الجماعتين، كجرس يرن ويذكّر الجنوبيين بمظلوميتهم السياسية والتاريخية مع صنعاء.


ثنائية الصراع


كل ذلك يدفع بتوصيف الأزمة اليمنية توصيفاً سياسياً يقوم على ثنائية الصرع بين شمال اليمن وجنوب اليمن ويؤكّد ضرورة حل الدولتين كمدخل صحي وسليم لحدوث التغيير السياسي المأمول في المنطقة.


يكافح المجلس الانتقالي الجنوبي، في الجنوب، لتقديم نفسه كمتعهّد سياسي قوي قادر على إحداث زحزحة وتغيير في أدائه السياسي يتواكب وتطلعات العالم والإقليم في محاربة ونبذ التطرف والإرهاب وإرساء وحفظ السلم والأمن الدوليين على رقعة وجوده الجغرافي الهام في جنوب الجزيرة العربية على خط الملاحة الدولية.


وفي حين تتصاعد حظوظ المجلس الانتقالي الجنوبي السياسية في إحداث التغيير المنشود، عززا حدثان سياسيان صدارة المجلس الانتقالي الجنوبي في ملف الأزمة اليمنية.


أولا، قرارات الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، "أحادية الجانب"، التي قضت بتعيين رئيساً لمجلس الشورى ونائباً عاما للجمهورية، رفضها الشركاء السياسيون - باستثناء حزب الإصلاح – على رأسهم المجلس الانتقالي الجنوبي في حكومة المناصفة بين الشمال والجنوب. فعدّها البعض خرقاً للدستور ولمخرجات مؤتمر الحوار الوطني مثل حزبي الاشتراكي اليمني والحزب الناصري، بينما تنازعت موقف حزب المؤتمر الشعبي العام الفرقة والانقسام الحاد الذي سلبه الحجة القانونية السليمة، لاتخاذ موقف موّحد. لكن فصيلاً منه، استنكر تلك القرارات وطالب بـ "هيكلة رأس الشرعية". دافع حزب الإصلاح (تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن) عن قرارات هادي، وهاجم الأحزاب المعارضة.


ترقّبت بقية القوى السياسية المنخرطة في الحكومة موقفاً حازماً من المجلس الانتقالي الجنوبي لردع قرارات الرئاسة اليمنية، الذي توّعد بالرد بالطريقة المناسبة.


وعلى الرغم من ذلك، استطاعت قرارات الرئيس هادي أن تُعيد شرعيته السياسية إلى الواجهة معززة بتأييد ودعم حزب الإصلاح الذي رأى، أنّ من حق الرئيس هادي أن يمارس صلاحياته الدستورية، وهو موقف يربط مصير الحزب ومواقفه من شرعية الرئيس هادي، لهادي نفسه.


اللاعب الأقوى؟


ثانياً، في هذا الوقت يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية، على حدٍ سواء، لاتخاذ كافة التدابير العسكرية والأمنية لحماية عدن ومدن جنوب اليمن وتعزيز الأمن الإقليمي والدولي، وتعزيز جهود مكافحة الإرهاب، التي شهدت تراجعاً في محافظة شبوة إلى الشرق من عدن، بعد سيطرة القوى الإسلامية عليها.


تكمن أهمية هذه الخطوات، أنّها تأتي عقب فشل محاولة للحوثيين في استهداف الحكومة الجديدة بصواريخ باليستية، أثناء وصولها مطار عدن الدولي نهاية كانون الأول الماضي.


يتزامن ذلك أيضا مع انشغال الإدارة الأمريكية الجديدة في ترميم جروحها الداخلية الحديثة، التي سببتها إدارة ترامب، ما سينعكس بصورة أو بأخرى على أدائها الخارجي وتعاطيها مع مجمل الملفات العالقة في المنطقة خلال الفترة القريبة. 


في هذا الظرف الاستثنائي يجب أن تحتل التداعيات الأمنية والعسكرية في الأزمة اليمنية إلى جانب خطورة الأجندة والأهداف والقدرات العسكرية للحوثيين المزعزعة للأمن، أولوية "قصوى" لدى الحلفاء الإقليميين والدوليين والقوى السياسية في الجنوب.


لقد كان رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي مُدركاً لهذه التعقيدات، عندما دعا الأسبوع الماضي، الولايات المتحدة بالتدخل المباشر، ودعا لاتخاذ تدابير عسكرية لحماية عدن من الخطر الحوثي المتصاعد.


لقد عززت عوامل القوة العسكرية والبراجماتية السياسية للمجلس الانتقالي الجنوبي إلى جانب التأييد الشعبي الواسع في جنوب اليمن، من جعل المجلس الطرف الأقوى على ساحة الأزمة اليمنية، والأكثر موثوقية حتى لقوى سياسية معتدلة في شمال اليمن، وكذلك لأطراف عربية ودولية ترى بضرورة تحقيق تغيير ملموس يقود إلى سلام شامل وحل نهائي للأزمة في اليمن. 


بدر قاسم محمد

زميل في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحث في الشؤون السياسية اليمنية


Shared Post
Subscribe

Read also