20-08-2020 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| يعقوب السفياني
بعد إعلان استقلالها عن بريطانيا في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1967، اتجهت الدولة الوليدة في جنوب اليمن إلى تبنّي الأيدلوجيا الاشتراكية السوفييتية مُشكِّلةً من نفسها أحد أقطاب هذه الأيدلوجيا في منطقة الشرق الأوسط، وسعت دولة جنوب اليمن الاشتراكية إلى تصديرها إلى الدول الإقليمية المجاورة، ومنها المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان.
عملت هذه الأيدلوجيا الشيوعية، التي تبنتها جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وترجمتها على أرض الواقع بدعم حركات تمرد شيوعية نشطت في دول الخليج، مثل حركة تحرير ظفار -عُرفت لاحقاً باسم الجبهة الشعبية لتحرير الخليج المحتل- وغيرها، على صنع السياسة السعودية التقليدية تجاه جنوب اليمن، وهي سياسة قائمة على العداء استمرت حتى بعد نهاية الدولة في جنوب اليمن، بعد توقيع اتفاقية الوحدة مع العربية اليمنية (شمال اليمن) في 22 مايو/أيار 1990.
لأعوامٍ كثيرةٍ لاحقاً، لازمت السياسةُ السعودية تجاهَ جنوب اليمن مكانها التقليدي، انطلاقاً من عقائد سياسية سعودية بخطورة ظهور أي دولة مستقلة في هذه المنطقة، وقد ترجمت السعودية سياستها التقليدية بدعم نظام الرئيس صالح الذي حارب شركائه في الوحدة من قادة جنوب اليمن، وفرضَ الوحدةَ اليمنيةَ بالقوة العسكرية في صيف يوليو/تموز في 1994، متحالفاً مع قوى دينية وأصولية على رأسها التجمع اليمني للإصلاح، وكيل الإخوان المسلمين في اليمن.
"ترجمت السعودية سياستها التقليدية بدعم نظام الرئيس صالح الذي حارب شركائه في الوحدة من قادة جنوب اليمن"
الربيع العربي.. بداية التحولات
مع انطلاقها في نهايات العام 2010، عملت ثورات الربيع العربي على تشكيل مزاج سياسي جديد في المنطقة، وبدأت سلسلة من التحولات والتغيرات السياسية في الوطن العربي بشكلٍ خاص والشرق الأوسط والعالم بشكلٍ عام. السعودية لم تكن بمعزلٍ عن هذه التحولات، عمل الربيع العربي على تقويض السياسة التقليدية للملكة تجاه العديد من الملفات الإقليمية والعربية، ومن ضمن هذه الملفات، ملف جنوب اليمن .
في 27 من يناير/كانون الثاني 2011، حل الربيع العربي بنسخة محورة في اليمن (ثورة الشباب اليمنية) التي نادت بإصلاحات سياسية شاملة، ثم تطوّرت المطالب إلى إسقاط النظام على غرار ربيع مصر وتونس. وفي 11 فبراير/شباط من العام نفسه، شهدت العاصمة اليمنية صنعاء مظاهرة شبابية غاضبة انطلقت من جامعة صنعاء ما لبثت أن تحوّلت إلى ثورة عارمة في شمال ووسط اليمن ضد نظام الرئيس صالح، المدعوم من السعودية آنذاك.
رغم الاختلاف الجذري في الدوافع والأهداف، تقاطعت ثورة الشباب اليمنية في الشمال مع الثورة الشاملة في جنوب اليمن، وهي ثورةٌ عززت من حضورها بعد إعلان تشكيل الحراك الجنوبي في 7 يوليو/تموز 2007، الهادف لاستقلال جنوب اليمن، وتم اعتبار ثورة الشباب في شمال اليمن امتدادا غير مخططٍ لهُ للرفض الشعبي لنظام الحكم القائم آنذاك برئاسة الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح.
بعد اشتداد رياح التغيير التي اطلقتها ثورة الشباب اليمنية في شمال اليمن ضد نظام الرئيس صالح، شهدت اليمن متوالية من الأحداث المتسارعة، في 18 من مارس/آذار 2011 حدثت إحدى أكبر الانتهاكات بحق ثورة الشباب (مجزرة جمعة الكرامة) التي راح ضحيتها 52 مواطناً، وفي أعقاب مجزرة جمعة الكرامة، تصدّعت القوى الرئيسية في شمال اليمن والتي حظيت بدعم السياسية السعودية التقليدية، وتعرّض الرئيس اليمني صالح لمحاولة اغتيال في الثالث من يونيو/حزيران من العام نفسه في مسجد النهدين في العاصمة اليمنية صنعاء، نقل على أثرها للعلاج في الرياض.
أعداء الأمس أصدقاء اليوم
تعرّضت ثورة الشباب اليمنية في الشمال للاختطاف من قوى محلية كان بعضها جزء من النظام الذي قامت ضده هذه الثورة، وإضافة إلى الإخوان المسلمين في اليمن، كان من ضمن هؤلاء المختطِفين، حركة أنصار الله الحوثية التي حاصرت الرئيس اليمني التوافقي عبد ربه منصور هادي، المنتخب في 24 يناير/كانون الثاني في عام 2012 بعد تنحي الرئيس صالح، وبدأت الهجمات الحوثية على العاصمة اليمنية صنعاء في منتصف العام 2014، وفي 19 يناير/كانون الثاني 2015 حاصرت الجماعة الرئيس هادي، قبل أن يفرّ الأخير باتجاه عدن.
متحالفةٌ مع المؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بدأت الجماعة الحوثية هجومها الشامل على جنوب ووسط اليمن، في 22 مارس/ آذار من 2015 دخلت هذه القوات مدينة تعز، وبحلول 25 من الشهر نفسه كانت قوات الحوثي وصالح قد تمكنت من دخول لحج وعدن وعدة محافظات جنوبية، وفي ذات الشهر، أعلنت السعودية والإمارات والبحرين وعدة دول عربية وإسلامية أخرى انطلاق عاصفة الحزم الهادفة لدعم شرعية الرئيس هادي وإنهاء الانقلاب، وفي ليلة وضحاها تحول أعداء الأمس للسعودية (قوى الحراك الجنوبي) إلى أصدقاء وشركاء في الحرب، كما تحوّل أصدقاء الأمس (المؤتمر وصالح) إلى أعداء أيضا.
بعد انطلاقها، ساهمت عاصفة الحزم التي ينفّذها التحالف العربي بقيادة السعودية في توفير غطاء جوي للمقاومة في جنوب ووسط اليمن، وتمكّنت المقاومة الجنوبية - التي تتشكل في أغلبها من الحراك الجنوبي وأتباع السلفية في الجنوب - من تحرير مطار عدن وقاعدة العند الجوية ومحافظتي لحج والضالع، ثم تمكّنت من تحرير أبين وشبوة بنفس العام.
"في ليلة وضحاها تحول أعداء الأمس للسعودية (قوى الحراك الجنوبي) إلى أصدقاء وشركاء في الحرب"
توطّدت العلاقات الجنوبية السعودية كثيراً أعقاب تحرير الجنوب، وتمركزت قوات ومعسكرات المملكة في العاصمة الجنوبية عدن. وفي الوقت نفسه الذي شهدت فيه سياسة السعودية التقليدية والعدائية تجاه جنوب اليمن انحساراً واضحاً، إلا أنّها لم تنتهي تماماً وبقيت تمشي في خطٍ متوازٍ مع السياسة الحديثة للسعودية التي شكّلتها المتغيرات الجديدة، والأخيرة هي سياسة عززها نفوذ الأمير السعودي الشاب محمد بن سلمان بن عبد العزيز، نجل العاهل السعودي وولي عهد المملكة ونائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الدفاع، المعين في 21 يونيو/حزيران من العام 2017.
المجلس الانتقالي الجنوبي .. حليف مهدد!
بعد تشكيله في مايو/أيار 2017، عمد المجلس الانتقالي الجنوبي إلى تقويض سلطة الحكومة اليمنية التي تُسيطر عليها جماعة الإخوان المسلمين، ولأعوامٍ ثلاثة لاحقة، شهدَ جنوبُ اليمن معارك طاحنة بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وقوى الحكومة اليمنية، أعقاب اغتيال القائد العسكري الجنوبي البارز منير اليافعي أبو اليمامة في أغسطس/آب 2019، وقد سيطر الانتقالي الجنوبي على عدن وعدة محافظات جنوبية أخرى، فيما تحاول الحكومة اليمنية التي استطاعت دخول محافظة شبوة الجنوبية وأجزاء من أبين، التقدم صوب عدن، وهو ما أسفر عنه نشوب حرب دامية مع مطلع العام 2020 والمستمرة إلى اليوم. كانت محافظة أبين - مسقط رأس الرئيس اليمني هادي - هي ساحتها، وهي حرب أثبتت عدم جدواها في حسم الأزمة جنوباً لطرفيها على حد سواء.[1]
السعودية التي وقفت على مسافة متساوية من أطراف الأزمة في جنوب اليمن، جمعت الطرفين في مفاوضات جدة، وتمخّض عنها توقيع اتفاق الرياض في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، لكنّ هذا الاتفاق لم يخرج إلى أرض الواقع إلا بعد معارك أبين المندلعة في مايو/أيار من العام 2020.
ومع لعبها دور الوسيط، تميّزت السياسة السعودية بالميل إلى الجانب الحكومي، رغم سيطرة جماعة الإخوان المسلمين - الجماعة التي تُدار من الدوحة القطرية المعادية للسعودية - على مفاصل القرار في هذا الجانب. في أحيانٍ كثيرة، يُعزى هذا الانحياز السعودي إلى الحضور العميق للسياسة السعودية التقليدية في الملف اليمني، وهي سياسة لطالما تلاقت مع أهداف جماعة الإخوان المسلمين وأدارها مقربون سعوديون من الجماعة.
قائمة الانتظار السعودية
السعودية، البلد الذي يشهد ربيعاً عربياً من نوعٍ آخر كما وصفها الكاتب الأمريكي توماس فريدمان[2] في مقالته المنشورة في جريدة نيويورك تايمز الأمريكية في 23/نوفمبر تشرين الثاني 2017، بعنوان (الربيع العربي في المملكة العربية السعودية)، ممثلةً بالثورة من أعلى بقيادة الأمير محمد بن سلمان، بدلاً عن الربيع العربي المعتاد من أسفل إلى أعلى، تكيل في جنوب اليمن بمكيالين مختلفين، وتتعامل معه بسياستين متناقضتين في آن واحد، السياسة التقليدية المعادية والسياسة الجديدة المنفتحة. وبين هذه وتلك، يبقى ملف جنوب اليمن دون موقف واضح في السياسة السعودية، وهو ما يبقيه في قائمة الانتظار السعودية حتى تغلب إحدى السياستين الأخرى، كغيره من الملفات والقضايا التي يتم التعامل معها بازدواج وبتناقض.
- المراجع:
[1] سوث 24/ أزمة جنوب اليمن .. الخيار العسكري يتراجع south24.net
[2] مقالة فريدمان الأصلية: nytimes.com
قبل 3 أشهر