التقارير الخاصة

تحليل: الحكومة الطريدة.. وقوس الإرهاب الذي يخشاه المجتمع الدولي

29-04-2020 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| بدر محمد


بإعلان المجلس الانتقالي الجنوبي عن الإدارة الذاتية للجنوب في الـ 25 من أبريل الجاري تكون الحكومة اليمنية قد تلقّت حالتي طرد من العاصمة المؤقتة عدن من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي، الأولى في أغسطس 2019 وهذه الثانية. في كل من الطردين يبدو أن شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي ليست معنية بالنفي وما يزال الانتقالي الجنوبي يؤكدها.


أداء الانتقالي، الذي يستهدف الحكومة فقط، يحاول اختزال الأزمة ولا يجعلها انقلابا مماثلا لما حدث في صنعاء من قبل الجماعة الحوثية. على خلاف هذا جاء رد فعل الحكومة اليمنية بمحاولة توسعة دائرة الحريق ووضع الأزمة في مصاف أعلى من انقلاب الحوثيين عليها وشرعية الرئيس هادي، سياسيا وعسكريا. سياسيا من خلال تلويح بياناتها بعودة الجمهورية اليمنية بعد أن قطع اليمن والإقليم والعالم شوطا كبيرا في الانتقال باليمن من نظام الدولة المركزية إلى نظام الدولة الاتحادية، وعسكريا وهي تتجه بقواتها لإسقاط عدن وتدير ظهرها لصنعاء.


قد يبدو هذا كافياً للحصول على أكثر من ردة فعل باردة من قبل المجتمع الدولي حول ما يُعتمل الآن في عدن. فوداعة الحكومة شمالا وشراستها جنوبا تحمل العالم على الابتسام بسخرية أمام صراخ الحكومة من طرد الانتقالي لها. أقصى ما حصلت عليه الحكومة من طردها الساري المفعول حتى الآن هو إبداء القلق والاستغراب.


وعلى الرغم من هذا مازالت الحكومة تعمل على توسعة دائرة الحريق في عدن بما قد يجرُّ رجلها لنفاذ صبر المجتمع الدولي ووضع تساؤل عن شرعيتها السياسية المنفية على التوالي في كل من صنعاء وعدن.


إدارة ذاتية شمالا


في العام 2018 زار فريق الخبراء الدوليين عدن، وكان مدير البنك حينها "محمد زمام". شكى "زمام" من عدم توريد محافظة مأرب، التي يسيطر عليها جماعة الإخوان اليمنية إيراداتها للبنك المركزي عدن. استعلم فريق الخبراء عن ذلك من محافظ مأرب "سلطان العرادة" فكان رده بأن بنك عدن لم يستكمل شروطه ليكون بنكا وطنيا لليمن. وكشف العرادة عن أن بنك مأرب ما زال يعمل بميزانية 2014.


كاد يقترب اتفاق الرياض الموقّع بين الحكومة اليمنية والانتقالي الجنوبي من عملية ضم إيرادات مأرب لبنك عدن المركزي. فاقترب الحوثي من إسقاط مأرب وها هو الآن يقف على مشارفها، بينما يمضي الانتقالي الجنوبي في خضّم تنفيذ إعلانه "الإدارة الذاتية للجنوب".


ثمة رابط بين عمل بنك مأرب وفق ميزانية 2014 وبين طلب الحوثيين، في مبادرة السلام خاصتهم، من السعودية إعاشة قواتها المسلحة لـ 10 سنوات قادمة وفق ميزانية العام 2014. يبدو أن العمل بميزانية العام 2014 هي الرابط بين مأرب وصنعاء بما يحقق إدارة ذاتية في الشمال كالمعلنة في الجنوب مؤخرا من قبل الانتقالي الجنوبي.


قوس الإرهاب الحكومي


في سياق آخر نفّذت عناصر مسلحة الأسبوع الفائت هجوما مباغتاً على إحدى نقاط الحزام الأمني المرابطة في مديرية مودية بمحافظة أبين، قتل خلاله جنديا وتم أسر آخر. لم تُعلن أيّ جهة مسئوليتها عن الهجوم. 


مؤخرا أشار مركز جيمس تاون الأمريكي إلى أنّ هناك تغيّر في استراتيجية تنظيم القاعدة التنظيمية حيث انتقل من الهرم القيادي إلى التنظيم الذري للقيادة. في إشارة إلى عملية "تعيين" التنظيم زعيما له عقب مقتل زعيمه السابق "الريمي". العملية التي وصفها التنظيم باستشارة أكبر قدر ممكن من عناصره في عملية التعيين وليس البيعة والمبايعة كما هو معروف عن التنظيم في تنصيب أمرائه. لقد انتقل التنظيم من انتهاجه استراتيجية عقائدية إلى استراتيجية سياسية يديرها مجلس شورى وقيادة، الأمر الذي اعتبره كثيرون يشبه إلى حد بعيد أسلوب إدارة جماعة الإخوان المسلمين لحركتها التنظيمية.


كذلك الإشارة إلى اتباع استراتيجية العمل السياسي لدى التنظيم يعتبرها آخرون بقصدها جماعة الإخوان تكون قد قصدت جانب الحكومة اليمنية المدارة من نفس الجماعة، ومثلما لا تكاد الإشارة تفرق بين الحكومة والإخوان يبدو أن استراتيجية الهجوم والأسر المنفذة أخيرا تحمل ذات الخلط، خصوصا إذا ما عرفنا ان هناك صراع يحتدم بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة المدارة من قبل جماعة الإخوان.


الجدير بالذكر أنّ المقاومة الجنوبية في كل من شبوة وأبين ضربت مؤخرا بقسوة بعض المليشيات المحسوبة على جماعة الإخوان في هاته المحافظتين، الأمر الذي يضع هجوم العناصر المسلحة يندرج في سياق الرد بالمثل.


"بالتزامن مع الأزمة التي تواجهها الحكومة اليمنية في مأرب، يكون إجراء الانتقالي الجنوبي قاصم تماما لظهر الحكومة اليمنية أو بالأصح لظهر الإرهاب.

الأجدر بالذكر أن عملية استخدام النظام اليمني السابق لتنظيم القاعدة هي عملية معروفة ومألوفة، إلا أن النظام السابق كان قوياً وممسكاً بأطراف اللعبة معاً، الأمنية والإرهابية، وإذا ما أرادت الحكومة الحالية ممارسة نفس اللعبة فعليها الإمساك بأطرافها. فالانتقالي الجنوبي اليوم يلعب دور الضبط الأمني والقضائي أمام العالم، الأمر الذي يسمح بانكشاف اللعبة التي بدأت الكثير من الأطراف الدولية الاقتناع بأن من يدير تنظيم القاعدة في اليمن هم جماعة الإخوان المسلمين المنضوية في الحكومة اليمنية المتواجدة حاليا على هذا القوس من الجغرافيا اليمنية [مأرب - شبوة – أبين].


مطلع العام 2011، إبان ما عرف بالثورة الشبابية ضد نظام الرئيس صالح، خصّ الرئيس صالح هذا القوس من الجغرافيا، بنبوءة سقوطه في يد تنظيم القاعدة وسقط فعلا في يد التنظيم.


ما الذي يحدث عسكريا الآن لهذا القوس المتواجدة عليه الحكومة؟ ينضغط من طرفه الأعلى [مأرب] من قبل صنعاء وينضغط من طرفه الأسفل [أبين] من قبل عدن. هذا الضغط المزدوج يهدد بانكساره في وسطه [شبوة].


الانتقالي الجنوبي بإعلانه عن الإدارة الذاتية للجنوب مازال يتماهى مع المشروع الإقليمي والدولي في محاربة الإرهاب وتجفيف مصادر تمويله، إذ لم يقل في إعلانه [الحكم الذاتي] للجنوب بل [الإدارة الذاتية] للجنوب بما يحقق إجراء تجفيف منابع تمويل الإرهاب بصفة الفساد الحكومي أحد أهم منابع تمويل الإرهاب.


بالتزامن مع الأزمة التي تواجهها الحكومة اليمنية في مأرب، يكون إجراء الانتقالي الجنوبي قاصم تماما لظهر الحكومة اليمنية أو بالأصح لظهر الإرهاب.



- بدر قاسم محمد: كاتب وزميل في مركز سوث24 للأخبار والدراسات وباحث في شؤون الجماعات المتطرفة 



شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا