مظاهرة نظمها الحوثيون في صنعاء للتضامن مع إيران، 20 يونيو 2025 (المركز الإعلامي للحوثيين)
آخر تحديث في: 27-06-2025 الساعة 8 صباحاً بتوقيت عدن
|
مركز سوث24 | عبد الله الشادلي
في منتصف يونيو 2025، شهدت منطقة الشرق الأوسط تطورًا عسكريًا لافتًا، حين شنّت إسرائيل ضربات جوية مركزة وغير مسبوقة على عدة أهداف استراتيجية داخل الأراضي الإيرانية، شملت منشآت نووية ومرافق عسكرية وشخصيات رفيعة. ردّت إيران لاحقًا، ودخلت الولايات المتحدة على خط المواجهة بضربة عنيفة على ثلاث منشآت نووية إيرانية.
أظهر هذا النزاع بصورة علنية حجم التورط السياسي والإعلامي لجماعة الحوثيين في صراعات المحور الذي تتصدره إيران، والتورط العسكري الوشيك الذي كاد أن يحدث. من صنعاء إلى طهران، ومن البحر الأحمر إلى الخليج العربي، تقاطعت التهديدات والتحركات، لتكشف أن ما يحدث في إيران لا ينعكس على اليمن وحسب، بل يُعاد إنتاجه فيها. وفي ضوء ذلك، يهدف هذا التقرير إلى توثيق وتفكيك انعكاسات الأزمة الإيرانية الإسرائيلية على الداخل اليمني، من خلال قراءة التصريحات الرسمية، ورصد التحركات، ومتابعة السيناريوهات المحتملة التي قد تُشكّل مستقبل الصراع في البلد.
بداية التصعيد وارتداداته
في الساعات الأولى من يوم 13 يونيو، نفّذت إسرائيل سلسلة من الضربات الجوية الواسعة داخل الأراضي الإيرانية، استهدفت مواقع حساسة شملت منشآت نووية، ومرافق تصنيع صواريخ باليستية، ومقار عسكرية، وقادة في الحرس الثوري الإيراني. وصفت هذه الهجمات بأنها غير مسبوقة من حيث الحجم والنطاق، وقد نقلت "حرب الظل" بين طهران وتل أبيب إلى مواجهة علنية ومباشرة.
أعلنت وزارة الصحة الإيرانية أن حصيلة الضحايا جراء الضربات الإسرائيلية ارتفعت إلى نحو 627 قتيلًا، فيما تجاوز عدد الجرحى 5,300 مصاب في مناطق مختلفة من البلاد. في المقابل، أفاد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن الهجمات الإيرانية أسفرت عن مقتل 28 شخصًا داخل إسرائيل، وإصابة أكثر من 3,200 آخرين، بينهم عدد من الحالات الحرجة.
مع بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران، سارعت جماعة الحوثيين إلى إعلان موقفها الداعم بشكل مطلق لطهران، ورفعت منسوب التصعيد الخطابي تجاه إسرائيل والولايات المتحدة. زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، وصف الهجمات الإسرائيلية بأنها "تطور خطير"، معتبرًا أن ما يجري هو "معركة الأمة بأكملها"، داعيًا إلى الوقوف إلى جانب إيران في مواجهة ما وصفه بـ "العدوان".
وتوالت التصريحات من قيادات الحوثيين التي أكدت أنهم "لن يقفوا مكتوفي الأيدي"، وأنهم مستعدون للرد في حال تطور التصعيد. رئيس المجلس السياسي الأعلى للجماعة، مهدي المشاط، صرّح أن أي تدخل أميركي إلى جانب إسرائيل سيقابل برد مباشر من جماعته، قائلاً: "إذا شاركت الولايات المتحدة إسرائيل في حربها على إيران فإنها ستتورط أكثر"، مضيفًا أن الحوثيين "سيعملون على التصدي ومواجهة أي مشاركة في الحرب ضد إيران".
عكست هذه التصريحات توجهًا تعبويًا داخل الجماعة، تُرجم إلى مظاهر ميدانية في صنعاء تمثلت في خروج تظاهرات حاشدة دعماً لإيران، شارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين، في مشهد وظّفته الجماعة سياسيًا لتعزيز سرديتها الإعلامية.
كما أصدرت الجماعة بيان للمتحدث العسكري يحيى سريع، هددت فيه باستهداف السفن والبوارج الأميركية في البحر الأحمر، في حال نفذت واشنطن هجومًا مباشرًا ضد إيران. واعتبرت أن أي تورط أميركي في الهجمات سيُقابل بـ "رد عسكري مباشر". وبعد ساعات من هذا البيان، نفذت الولايات المتحدة القصف الجوي على المرافق النووية الإيرانية، لكن لم يفعل الحوثيون شيئًا لترجمة تعهداتهم.
وقد بدا أن الجماعة اكتفت بالتصريحات، دون الانتقال إلى التنفيذ العملي لتهديداتها. هذا التناقض بين الخطاب والممارسة أثار تساؤلات لدى مراقبين حول حدود استقلالية القرار لدى الحوثيين، ومركزية القرار في طهران، وقدرتهم أو استعدادهم لخوض مواجهة مباشرة في هذا التوقيت. لاحقًا، جاءت تصريحات لعضو المكتب السياسي للحوثيين محمد البخيتي قال فيها إن إيران لم تطلب منهم الانخراط في عمليات عسكرية لإسنادها.
لكن الخبير السياسي والاقتصادي المقيم في صنعاء، رشيد الحداد، قال لمركز سوث24 إن الحوثيين لم يلتزموا الحياد في هذه الأزمة، بل أعلنوا تأييدهم الكامل لطهران منذ اللحظة الأولى. وأضاف أن الجماعة دعمت الرد الإيراني على إسرائيل وأبدت استعدادها للتحرك إذا تدخلت واشنطن عسكريًا.
وأشار الحداد إلى أن التدخل العسكري الأميركي كان سيؤدي إلى توسيع الصراع نحو حرب بحرية قد تمتد من مضيق هرمز إلى مضيق باب المندب، موضحًا أن الصحافة الغربية كانت قد بدأت بالفعل بتناول هذه السيناريوهات، خاصة في الدول التي تعتمد على استقرار حركة الملاحة، مثل دول الاتحاد الأوروبي والصين ودول شرق آسيا.
العقوبات الأميركية
تزامنًا مع التصعيد العسكري، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية في 20 يونيو 2025 عن فرض أكبر حزمة عقوبات تستهدف جماعة الحوثيين منذ سنوات. شملت العقوبات أربعة أفراد واثني عشر كيانًا وسفينتين، بتهم تتعلق بإدارة شبكة تهريب دولية تقوم بتمويل أنشطة الجماعة من خلال عمليات غير مشروعة تشمل تهريب النفط والسلع، وتوليد إيرادات ضخمة عبر السوق السوداء.
وأوضحت الوزارة أن هذه العقوبات تأتي في إطار الضغط على الحوثيين لوقف نشاطاتهم التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، مؤكدة أن الجماعة باتت جزءًا من منظومة أوسع تستخدم أدوات غير تقليدية لتمويل الحرب وتقويض المساعي الدولية للسلام.
الباحث الأميركي في الشأن اليمني، نيك برومفيلد، أشار في حديث لمركز سوث24 إلى أن الحوثيين يمثلون أحد أذرع الرد غير المباشر لإيران، مؤكدًا أن الجماعة كانت واضحة في إعلان دعمها لطهران بعد الضربات الإسرائيلية. وأضاف أن تكتيكات الحوثيين ظلت على حالها، مع الاستمرار في تنفيذ هجمات ضد مطار بن غوريون في إسرائيل، رغم وقف إطلاق النار غير المعلن.
وأكّد برومفيلد أن المجتمع الدولي يسعى، رغم تصاعد التوترات، إلى إبقاء الملف اليمني بمنأى عن التجاذبات الإقليمية المباشرة، لكن تزايد الترابط بين سلوك الحوثيين والاستراتيجية الإيرانية يجعل من هذا الفصل أمرًا صعبًا.
وفي تقييمه للجهود الأميركية، أوضح برومفيلد أن وقف إطلاق النار بين واشنطن والحوثيين في مايو 2025 كان محاولة لتجنّب الانجرار إلى مواجهة شاملة في البحر الأحمر، لكنه لم يمنع الجماعة من مواصلة التنسيق مع طهران، وتبنّي سياسات منسجمة مع توجهات "محور المقاومة".:
حسابات الأطراف اليمنية
في خضم التصعيد الإقليمي، وجدت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا في التطورات الجارية فرصة لتأكيد موقفها من الدور الإيراني في دعم جماعة الحوثيين، وتجديد سرديتها بشأن "التدخلات التخريبية لطهران" في الشأن اليمني.
وقد رحّب وزير الإعلام معمر الإرياني بالعقوبات الأميركية الأخيرة، واعتبرها "خطوة بالغة الأهمية نحو كبح أنشطة الحوثيين". وأكد في تصريحات نُشرت عبر وسائل الإعلام الرسمية أن تحقيق السلام في اليمن لن يكون ممكنًا دون تجفيف منابع تمويل الجماعة ومساءلة داعميها، وعلى رأسهم النظام الإيراني.
من جانبه، دعا وزير الخارجية شائع الزنداني، في 22 يونيو، إلى تجنّب أي محاولة لتوسيع نطاق التصعيد في المنطقة، محذرًا من الانعكاسات الإنسانية والأمنية لأي تصعيد إضافي، ومؤكدًا على ضرورة الحفاظ على السلم الدولي وتفادي تدهور الأوضاع الإقليمية.
قبلها في 18 يونيو، حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، جماعة الحوثي وداعميها من مغبة أي تصعيد ينطلق من الأراضي اليمنية، محمّلًا إياهم المسؤولية الكاملة عن العواقب. جاء ذلك خلال اجتماع رفيع المستوى حضره كبار المسؤولين في الحكومة اليمنية، خُصص لمناقشة مستجدات المشهد السياسي والاقتصادي، وارتدادات التصعيد الإيراني الإسرائيلي على الأوضاع اليمنية.
أما المجلس الانتقالي الجنوبي، فقد عبّر عن موقف يتقاطع مع الرؤية الخليجية في رفض التدخلات الإيرانية، مع إشارة إلى ما يحمله هذا التصعيد من فرص لإضعاف جماعة الحوثيين. نائب رئيس هيئة الشؤون الخارجية في المجلس، أنيس الشرفي، قال لمركز سوث24 إن ما حدث "يحمل جانبًا إيجابيًا، فإضعاف إيران يعني بالضرورة إضعاف وكلائها الحوثيين".
وأشار الشرفي إلى أن طهران تمثل "مصدر الإمداد الرئيسي ومركز القرار الذي يوجه الجماعة"، معتبرًا أن إضعافها سيؤدي إلى تسهيل أي سيناريو قادم للتعامل مع الحوثيين. وأوضح أن المجلس الانتقالي الجنوبي "يعتبر نفسه جزءًا من المنظومة العربية، ضمن التحالف بقيادة السعودية والإمارات"، مؤكداً أن المجلس ملتزم بالعمل وفق إطار جماعي يتطلب تنسيقًا وتكاملًا على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
ورغم الترحيب بالعقوبات على الحوثيين، أبدى الشرفي قلقه من التبعات الاقتصادية والسياسية للأزمة، محذرًا من أن الجنوب واليمن عمومًا قد يكونان من أكثر المتأثرين، نظرًا لهشاشة الوضع الاقتصادي وتعدد الصراعات الداخلية. وأشار إلى أن تدهور العملة المحلية منذ بداية التصعيد يُعدّ أحد المؤشرات المباشرة على التأثر الاقتصادي بالأزمة.
السيناريوهات المحتملة
مع تراجع حدة التصعيد بين إيران وإسرائيل، تبقى تداعيات الأزمة قائمة على الساحة اليمنية، بما في ذلك مسارات الحرب والسلام، والتحالفات الإقليمية، والمشهد الاقتصادي المنهك. وترجّح التقديرات أن الأزمة ستُلقي بظلالها الثقيلة على مستقبل الملف اليمني، سواء من حيث الخيارات المتاحة للفاعلين المحليين، أو من حيث سياسات القوى الدولية تجاه الأطراف المتصارعة.
يرى الباحث الأميركي نيك برومفيلد أن المسار الأكثر ترجيحًا خلال الفترة القادمة هو استمرار تجميد العملية السياسية، كما هو الحال منذ أواخر عام 2023. وأشار إلى أن هذا الجمود قد يتواصل، وهو ما يمنح الحوثيين هامشًا دبلوماسيًا كافيًا لتركيز هجماتهم على أهداف أخرى، وعلى رأسها إسرائيل.
ومع ذلك، حذّر برومفيلد من تعقيد إضافي محتمل قد يُغيّر المعادلة، يتمثل في التدهور المتسارع للأوضاع الاقتصادية والإنسانية في مناطق سيطرة الحوثيين، نتيجة العقوبات الدولية، والتراجع في المساعدات، والضربات التي طالت البنية التحتية الحيوية. واعتبر أنه إذا استمرت هذه المؤشرات في التصاعد، فقد تحاول الجماعة استخدام التهديدات الأمنية ضد السعودية كورقة ضغط للحصول على "شريان حياة اقتصادي".
وبشأن مدى إمكانية تدخل إسرائيل عسكريًا في اليمن، يرى برومفيلد أن هذا الخيار يظل محدودًا، نظرًا لعوامل جغرافية وتقنية. وأوضح أن بُعد المسافة بين إسرائيل واليمن، وقدرة إسرائيل المحدودة على شن حملة جوية طويلة المدى مقارنة بالولايات المتحدة، تجعل أي تدخل عسكري مباشر محصورًا بضربات دقيقة، كما حدث في الهجوم الموجّه ضد قيادات حوثية في صنعاء.
وأضاف أن تأثير مثل هذه الضربات على الجماعة قد يكون محدودًا على المدى البعيد، نظرًا لتجذّر الحوثيين في مؤسسات الدولة التي يسيطرون عليها، ومساحة الأراضي التي يحكمونها. وأردف أن فعالية هذه الضربات في تغيير قرارات القيادة الحوثية تظل محدودة، ما لم تُرافق باختراق استخباراتي عميق، أو تعاون ميداني من أطراف محلية.
وفي هذا السياق، قال أنيس الشرفي، نائب رئيس خارجية المجلس الانتقالي الجنوبي، إن الحوثيين سيتحركون لاحقًا ضمن أجندة إيران، معتبرًا أن الجماعة تدين لطهران بكل ما تملكه اليوم من نفوذ سياسي وعسكري. وأوضح أن إيران قد تعيد تفعيل دور الجماعة في المرحلة القادمة، خاصة بعد إثبات قدرتها على تعطيل حركة الملاحة في البحر الأحمر.
في المقابل، يرى رشيد الحداد أن خصوصية الصراع اليمني تفرض واقعًا مختلفًا. وأشار إلى وجود دعم غير معلن من خصوم الحوثيين للضربات الإسرائيلية، نكاية بطهران، التي يتهمونها بالوقوف خلف الجماعة. وأكد أن هذا النزاع الإقليمي ستكون له تبعات طويلة المدى على الأمن القومي العربي ككل، بما في ذلك الملف اليمني.
أما بشأن المخاوف من فتح قنوات للتفاوض مع الحوثيين، فأوضح الشرفي أن المشكلة لا تكمن في مبدأ السعي نحو السلام، بل في حقيقة أن الجماعة لا تؤمن به كخيار استراتيجي. وقال إن الحوثيين يبحثون عن تسوية تُتيح لهم التحايل على الضغوط الدولية، وتجاوز الأزمة التي تعاني منها إيران وأذرعها، خشية مصير مشابه لحزب الله أو النظام السوري.
وشكّك الشرفي في نوايا الجماعة، وأكد أن أي انفتاح دولي تجاهها لن يكون مثمرًا ما لم تُقدّم التزامات واضحة تثبت استعدادها للسلام الفعلي، لا للمناورة. وأشار إلى أن الجنوب، بحد ذاته، ليس معزولًا عن هذه التطورات، بل يتأثر بها بشكل مباشر، وهو ما يُحتّم على القوى المحلية تعزيز التنسيق ضمن الإطار الإقليمي الأشمل.
وفي ضوء ما تناولَه هذا التقرير، تبرز أزمة إيران كمؤشر إضافي على أن جماعة الحوثيين تتجاوز حدود الفعل المحلي، بوصفها جزءًا من أدوات إقليمية معقدة تتأثر بتوازنات كبرى. ويُظهر تداخل الملف اليمني مع هذه السياقات أن الأزمة لم تعد محصورة بالإطار الداخلي، بل باتت مكوّنًا فاعلًا في مشهد إقليمي أوسع، ما يستدعي مقاربات مختلفة وتحالفات أكثر فاعلية، لمواجهة مستقبل تتشابك فيه التحديات السياسية والأمنية بدرجات غير مسبوقة من التعقيد.
قبل 3 أشهر
قبل 3 أشهر