رئيس الوزراء اليمني الجديد سالم بن بريك يؤدي اليمين الدستورية أمام رئيس المجلس الرئاسي اليمني رشاد العليمي في الرياض، 5 مايو 2025 (وكالة سبأ الرسمية)
آخر تحديث في: 22-05-2025 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن
|
مركز سوث24 | عبد الله الشادلي
في ظل تعقيدات المشهد المحلي، وتفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية، لم يعد تغيير رؤساء الحكومات حدثًا استثنائيًا في اليمن. بل تحوّل إلى سمة متكررة في مسيرة متعثرة سلسلة من التبديلات في رأس السلطة التنفيذية خلال الأعوام الأخيرة، لم تنعكس حتى الآن على شكل تحوّلات ملموسة في حياة المواطنين أو أداء مؤسسات الدولة.
وفي أحدث هذه التبديلات، صدر في 3 مايو الجاري، القرار بتعيين سالم أحمد سعيد بن بريك رئيسًا جديدًا للحكومة اليمنية، خلفًا لأحمد عوض بن مبارك، الذي حمل المنصب لأقل من عام ونصف. أعاد هذا التغيير إلى الواجهة التساؤلات الكبرى حول أسباب تعثر الحكومات السابقة، ومدى قدرة رئيس الوزراء الجديد على كسر دائرة الفشل المتكررة، خاصة في ظل غياب الإصلاحات الجذرية وتعدد مراكز النفوذ.
فهل سيتمكن بن بريك من تجاوز التحديات المركّبة، أم سيلحق بسلسلة الرؤساء الذين تعثّروا في منتصف الطريق؟
لماذا فشل بن مبارك؟
لم تكن فترة أحمد عوض بن مبارك القصيرة في رئاسة الوزراء [فبراير 2024 – مايو 2025] كافية لإحداث تغييرات جذرية، لكنها كشفت عن استمرار التحديات العميقة، وبل وتفاقمها. ويرى الخبير الاقتصادي رشيد الآنسي أن "بن مبارك لم يقدم برنامج عمل واضح يمكن البناء عليه لكسب الثقة، واكتفى بالجانب الإعلامي دون تحقيق إنجازات ملموسة على أرض الواقع."
وأضاف الآنسي لمركز سوث24: "زياراته للمؤسسات الخدمية لم يتبعها أي تحسن، كما أن مبادرات مكافحة الفساد بدت انتقائية، وكان الأجدى تفعيل دور الأجهزة الرقابية بشكل مؤسسي لإحالة كافة الملفات للنيابة العامة، بدلاً من أن يتولى رئيس الوزراء هذه المهمة بشكل مباشر."
ولفت إلى الأزمة الداخلية في الحكومة التي تكاثفت بشكل واضح خلال الأشهر الأخيرة لبن مبارك على رأس الحكومة. مضيفًا: "محاولة بن مبارك تهميش الوزراء والعمل بشكل منفرد مع فريق من المستشارين أدت إلى مقاطعة الوزراء لاجتماعات الحكومة، مما أفقده الدعم الداخلي."
وأشار الآنسي إلى تحديات رئيسية أكثر أهمية فشلت إدارة بن مبارك في التعامل معها، مثل "العديد من الإيرادات السيادية التي كان لا يتم توريدها إلى الحسابات الرسمية للدولة في البنك المركزي، بل تودع في بنوك خاصة أو لدى شركات صرافة، مما يفتح باباً واسعاً للفساد وتهريب أموال الدولة".
وتابع: "أيضًا الانقسامات داخل مؤسسات الدولة نفسها، وبين مختلف القوى السياسية والمكونات، تلقي بظلالها الثقيلة على أداء أي حكومة.".
وكان بن مبارك قد أشار في خطاب الاستقالة الذي نشره على حساباته في مواقع التواصل، إلى أنه لم يمنح أدوات التغيير اللازمة للنجاح في عمله كرئيس للحكومة. وقال: "واجهت الكثير من الصعاب والتحديات لعل أهمها عدم تمكيني من العمل وفقاً لصلاحياتي الدستورية في اتخاذ القرارات اللازمة لإصلاح عدد من مؤسسات الدولة، وعدم تمكيني من إجراء التعديل الحكومي المستحق".
وتعليقًا على ذلك، قالت المحللة السياسية ورئيسة منظمة (فرونت لاين) وداد الدوح، "كان هناك خلافات حول الصلاحيات بين بن مبارك ورئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي. بدأت هذه الخلافات خفية ثم ظهرت للعلن، وكانت من العوامل الرئيسية وراء تعثر بن مبارك في قيادة الحكومة."
وأضافت لمركز سوث24: "هذه الخلافات، والتي تجلت في عرقلة قرارات مثل تلك المتعلقة بقطاع 5 في شبوة، حدّت من قدرة بن مبارك على ممارسة صلاحياته الدستورية."
وتجدر الإشارة إلى أن مبارك كان قد أصدر في نوفمبر 2024 قرارًا بتكليف علي أحمد الدمبي بمهام القائم بأعمال المدير العام التنفيذي للشركة اليمنية للاستثمارات النفطية والمعدنية. لكن القرار واجه، وفقًا لمصدر لمركز سوث24، معارضة من رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي. وفي يناير 2025، وجه وزير النفط اليمني بتكليف هاني العشلة بمهام المدير العام التنفيذي بناءً على قرارمن العليمي كما جاء في المذكرة.
وحذرت الدوح من أن "رئيس الوزراء الحالي، سالم بن بريك، قد يواجه ذات المصير إذا ما اصطدم بقرارات رئيس مجلس القيادة الرئاسي أو سعى لتشكيل حكومة جديدة".
وشددت على أنه "لا يمكن لأي رئيس وزراء أن ينجح، سواء كان بن مبارك أو بن بريك أو غيرهما، في ظل بيئة سياسية يتفرد فيها رئيس مجلس القيادة الرئاسي بالقرار ويقيد صلاحيات رئيس الحكومة في إصلاح مؤسسات الدولة، ويحول دون تمكينه من إجراء أي تعديل وزاري ضروري."
ما الذي ينبغي القيام به؟
لتجنب سيناريوهات الفشل، يقترح الباحث في مركز صنعاء للدراسات، حسام ردمان، على رئيس الوزراء الجديد سالم بن بريك "توظيف قدراته السياسية لضمان تجانس وكفاءة الفريق الوزاري، وتجنب الدخول في أي مواجهات أو خلافات مع مجلس القيادة الرئاسي، بما يؤمن بيئة عمل مستقرة".
مشيرًا إلى أن "مواصلة عمليات الإصلاح المؤسسي تمثل ضرورة حتمية، فهي الضمانة الأساسية لاستجلاب الدعم الدولي واستدامته، خاصة في ظل غياب أي أفق وشيك لاستئناف تصدير النفط". وأضاف لمركز سوث24 أن "أي تعديلات وزارية مرتقبة يجب أن تستهدف بناء حكومة 'تكنوسياسية'، تجمع بين احترام معايير الشراكة السياسية القائمة والتمسك الصارم بمعايير الكفاءة والنزاهة في اختيار الوزراء".
وأضاف: "نجاحه بن بريك مرهون بتبني مقاربة واقعية ومختلفة عن سابقيه.. أولى الخطوات التي يتعين عليه اتخاذها، هي التصالح مع حقيقة أن دوره يتركز في إدارة الهيكل العام للدولة، وليس كرئيس وزراء يتمتع بصلاحيات سيادية مطلقة".
ويؤكد رشيد الآنسي على ضرورة الإصلاح الاقتصادي والمالي الشامل. مضيفًا: "رئيس الوزراء الجديد بحاجة ماسة إلى تبني منظومة إصلاح اقتصادي متكامل. يشمل ذلك، معالجة معضلة النفقات الحكومية التي تفوق الإيرادات بشكل كبير. ومراجعة حجم السلك الدبلوماسي الذي يثقل كاهل الدولة بنفقات بالعملة الصعبة. ومعالجة ملف ما يعرف بمرتبات الإعاشة التي تُصرف بالدولار لقيادات عسكرية متقاعدة مقيمة في الخارج".
في جانب الإيرادات، يدعو الآنسي إلى ضمان توريد الإيرادات السيادية إلى الحسابات الرسمية للدولة في البنك المركزي، و"العمل على استعادة الإيرادات التي لا تزال تحت سيطرة الحوثيين، مثل إيرادات قطاعي الطيران والاتصالات وضرائب كبار المكلفين".
ويعتقد الآنسي أن هذه الخطوات حتى وإن طبقت كلها، لن تكون كافية دون إجراء تعديل وزاري في الحكومة. مضيفًا: "العديد من الوزراء الحاليين، الذين استمروا في عهد معين عبد الملك ثم أحمد بن مبارك، أثبتوا فشلهم في إدارة ملفاتهم، وبعضهم غير متواجد فعلياً في وزاراتهم ويعملون وفق أجندات خاصة أو لصالح القوى التي يتبعونها."
ويضيف: "هناك حاجة ماسة لتغيير يطال ما لا يقل عن 70 إلى 80 بالمئة من أعضاء الحكومة، والأفضل تغييرها بالكامل وضخ دماء جديدة من خارج المشهد السياسي التقليدي".
وتشدد وداد الدوح على ضرورة "استئناف تصدير النفط"، و"إنقاذ العملة الوطنية المتدهورة من خلال خطة لدعم البنك المركزي وتعزيز احتياطاته النقدية". مؤكدةً أن "استقلالية البنك المركزي في عدن شرط أساسي لنجاح إدارة وتوحيد السياسة النقدية."
وأردفت: "إذا أراد بن بريك النجاح، فعليه أن يمتلك الصلاحية الكاملة لاختيار فريقه الوزاري على أساس الكفاءة، دون إملاءات من أي طرف، بما في ذلك رئيس مجلس القيادة الرئاسي."
ولفتت الدوح إلى أهمية الشروع في معالجات فورية لملف الكهرباء الذي يتصدر أزمة الخدمات حاليًا، والذي أدى لموجة احتجاجات سرعت من فشل رئيس الوزراء السابق أحمد بن مبارك.
وتحدث حسام ردمان عن ضرورة أن "يسارع رئيس الوزراء الجديد إلى بلورة استجابة استراتيجية تهدف للاستفادة القصوى من قرار تصنيف جماعة الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية من قبل الولايات المتحدة، بما يسهم في تعزيز موارد الدولة وتوجيهها نحو الأولويات الملحة".
وشدد على أهمية "توثيق العلاقة الاستراتيجية وتعميقها مع الشركاء الإقليميين والدوليين، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي".
وحتى الآن، لم يعد رئيس الوزراء اليمني سالم بن بريك إلى العاصمة عدن، رغم مضي أيام على أدائه اليمين الدستورية. ووفق بيان منسوب لمصدر حكومي نُشر في 17 مايو، فإن تأخر العودة يأتي في سياق مساعٍ دبلوماسية يقودها بن بريك من العاصمة السعودية الرياض، تهدف إلى حشد دعم اقتصادي عاجل لمعالجة ملفات حساسة، أبرزها أزمة الكهرباء، وانهيار العملة، وتعثر صرف مرتبات موظفي الدولة.
وأوضح المصدر أن رئيس الوزراء عقد لقاءات وصفها بالمثمرة، أبرزها مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، إلى جانب اتصالات مع مانحين وشركاء دوليين لتوفير تدخلات ملموسة قبيل عيد الأضحى القادم.
وفي كل الأحوال، لا يبدو أن مهمة رئيس الوزراء اليمني الجديد، ستكون باليسيرة. ورغم ذلك، قد تكون هناك عوامل مساعدة له، حيث إن خبرته السابقة كوزير للمالية قد تجعله، كما يرى الآنسي، "على دراية تامة بحجم التحديات المالية والاقتصادية". بالإضافة لذلك، تساعده خلفيته السياسية المتوازنة على البقاء قريبًا من كل الأطراف ضمن المجلس الرئاسي.
لكن النجاح يتطلب أكثر من ذلك، من وجهة نظر وداد الدوح، التي أكدت أن نجاح رئيس الوزراء بن بريك يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وصلاحيات كاملة، وفريق عمل كفء ونزيه، ورؤية واضحة، ودعمًا لا لبس فيه من مجلس القيادة الرئاسي والشركاء الإقليميين والدوليين.