آفاق العلاقات المصرية الإسرائيلية بعد «اليوم التالي» لغزة

تصميم: مركز سوث24

آفاق العلاقات المصرية الإسرائيلية بعد «اليوم التالي» لغزة

عربي

الخميس, 12-09-2024 الساعة 07:53 مساءً بتوقيت عدن

"يبدو أننا أمام العديد من الرهانات المتباينة لمسارات العلاقات المصرية – الإسرائيلية، ليس فقط في إطار ترتيبات اليوم التالي للحرب في غزة، ولكن كذلك بالنظر إلى التطورات المتلاحقة في رفح.." 
د. إيمان زهران 

أثارت التصريحات الاستفزازية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول جمهورية مصر العربية، وتجاوزه "الخطوط المصرية الحمراء" بإعلانه الرغبة في البقاء بمحور صلاح الدين "فيلادلفيا"، أهمية إعادة تقييم "نمطية المقاربات" المصرية الإسرائيلية التي تم إدارتها لوقت طويل في إطار لا يتجاوز الحد التصادمي، خاصة فيما بعد اتفاق السلام عام 1979، واسترداد طابا المصرية عام 1989. إلا أن تسارع الأحداث الأخيرة فيما بعد 7 أكتوبر 2023 فرض مدارات أخرى وخلق مساحات كبيرة وممتدة للخلاف بين الجانبين، خاصة فيما يتعلق بالتصورات الإسرائيلية حول فرض ترتيبات أمنية واستراتيجية أحادية للقضية الفلسطينية ككل، في ظل مفاوضات "اليوم التالي" لقطاع غزة؛ وما يتبعه من استحداث هياكل سياسية وأمنية توازن ارتدادات الاضطرابات القائمة والمحتملة، وذلك على نحو قد يفرض معه عدداً من التساؤلات حول محددات العلاقات الثنائية، وآفاقها الاستراتيجية، وأبعاد المشهد فيما بعد اليوم التالي، وذلك على النحو المبين بالنقاط التالية:

مقاربات نمطية 

ارتبطت العلاقات الثنائية بمقاربات نمطية على مختلف المجالات السياسية والاقتصادية لا تتخطى حيز التراشق الإعلامي، وكذلك القواعد الناظمة والتوجهات المنضبطة على مستوى الترتيبات الأمنية الثنائية والمتعددة، وذلك بالنظر إلى:

• مقاربات سياسية:  تُبنى على الترتيبات الأمنية فيما بعد حرب أكتوبر عام 1973، وما تلاها من إبرام اتفاقية السلام عام 1979. إذ تتسم بالنمطية والتنسيقات السياسية الافتراضية على نحو منضبط يتخلله فقط مناوشات إعلامية.

• مقاربات اقتصادية:  في إطار الخطوات الثنائية لتجاوز عقبة الحرب والانتقال إلى مرحلة السلام، ثمّة تحركات اشتملت على التطبيع الإطاري للعلاقات الاقتصادية بين البلدين، وأبرز تلك الخطوات: بروتوكول المناطق الصناعية المؤهلة "QIZ"، اتفاقيات تصدير الغاز، وما يتعلق بترتيبات ملف السياحة، وما تلاه حديثاً من ترتيبات تنموية في إطار متعدد مثل "مشاريع الاندماج الاقتصادي" عقب اتفاقيات التطبيع مع عدد من الدول العربية، خاصة الإمارات والبحرين.

• مقاربات أمنية:  تتعلق بالترتيبات الأمنية النمطية التي تم إدراجها في الملحق الأمني لاتفاقية السلام الثنائية عام 1979، خاصة فيما يتعلق بالواقع الأمني للقوات متعددة الجنسيات والمراقبين في سيناء.

تحوّلات قائمة 

تمر العلاقات الثنائية بحالة من عدم الاستقرار نتيجة لاستمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة "عملية السيوف الحديدية"، والضفة الغربية "عملية مخيمات الصيف"، فضلاً عن سياسات "الإزاحة للخارج" والبناء الإسرائيلي على التصورات الأمنية للحرب الشاملة وسيناريو اتساع الجبهات الصراعية، خاصة بالدول المأزومة سياسياً وأمنياً بالمنطقة ومحاولة الزج بالدول المستقرة بالمنطقة وفي مقدمتها القاهرة عبر استراتيجية "توظيف القوة" و"ردع الخصوم"، على نحو قد يفرض تحوّلات متباينة بالعلاقات الثنائية، وذلك بالنظر إلى "السلوك الإسرائيلي" على النحو التالي:

• التصريحات الإعلامية:  فقد أربكت "تصريحات نتنياهو" الأخيرة بشأن محور صلاح الدين "فيلادلفيا" الجهود الدبلوماسية للوسطاء لإنهاء الحرب، وذلك كمحاولة لخلخلة التوافق بين مرئيات الوساطة المصرية وسياقات المقترح الأمريكي لانتزاع قرار بوقف إطلاق النار، خاصة أن المرحلة الأولى من المقترح تتضمن الوضعية الأمنية لممر فيلادلفيا وانسحاب قوات الاحتلال منه + إنجاز ملف الأسرى وتبادل المحتجزين. وهو ما يُرجح فرضية رغبة نتنياهو في إفشال المفاوضات القائمة وعرقلة وقف إطلاق النار، فضلاً عن محاولة إنشاء "ثغرة جدالية" مع القاهرة لصرف الأنظار عن السلوك الإسرائيلي بالمفاوضات الجارية، واستراتيجية نتنياهو "توظيف القوى وردع الخصوم"، بالإضافة إلى خلق فزاعة أمنية جديدة لتأمين بقائه في السلطة وتجاوز عقبة الانقسام النخبوي السياسي والمؤسسات الأمنية حول إدارة نتنياهو للعملية العسكرية في قطاع غزة والضفة الغربية، وكذلك رفض إدارته لملف المفاوضات الجارية خاصة فيما يتعلق بملف الأسرى.

• التسويف بعنصر الوقت:  تعمد السلوك الإسرائيلي محاولة "التسويف" لإطالة أمد الحرب استناداً لعدد من الاعتبارات، أبرزها: أولاً: تخطي عقبة الانتخابات الأمريكية والتخلص من ضغوط بايدن والرهان على عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض – الحليف الأقوى لإسرائيل – ومن ثم استعادة الحديث مرة أخرى عن صفقة القرن، ولكن ببنود أكثر إذلالاً استناداً لتحركات جيش الاحتلال في تغير ديموغرافية قطاع غزة وإعادة ترسيم خريطة الضفة الغربية وفقاً لسياسات "الأرض المحروقة". ثانياً: سعي نتنياهو عبر إطالته لأمد الحرب إلى تقوية موقفه في الداخل، خاصة مع تصاعد الانتقادات المتزايدة نتيجة لإخفاقاته في تحقيق أي انتصار بالأهداف العسكرية المُعلنة، أو فيما يتعلق بإنهاء فصول المقاومة أو ملف الأسرى والمحتجزين. ثالثاً: محاولاته للمراوغة والتنصل من الملاحقات القضائية داخلياً وخارجياً.

• تعطيل المفاوضات:  إذ يتعمد "نتنياهو" تعطيل جهود المفاوضات الجارية لوقف إطلاق النار عبر وضع المزيد من العراقيل والمشروطات في ملف تبادل الأسرى، والالتفاف على بنود سبق التفاوض عليها، مثل: الوضعية الأمنية لمفرق الشهداء "نتساريم"، ومعبر رفح، ومحور صلاح الدين "فيلادلفيا"، وذلك استناداً إلى عدد من المحددات: أولاً: توظيفات "الأجندة الشخصية" عبر إشعال حرب إقليمية مقابل الحفاظ على مستقبله السياسي. ثانياً: محاولة إعادة ترتيب صفوف المؤسسة العسكرية والأمنية عقب سقوط نظرية "الردع الاستراتيجي" على خلفية إخفاقات 7 أكتوبر، فضلاً عن صعوبة الحسم السريع للحرب. ثالثاً: ما أفضت به استطلاعات الرأي العام الداخلي حول الانقسام بشكل متقارب حول قضية لمن تكون الأولوية: لتحرير الرهائن أم القضاء على حماس؟ على نحو يخلق مساحة مرنة للمناورة بالترتيبات السياسية الجارية.

• الاستدراج الأمريكي:  ساهمت التحولات الإسرائيلية بشكل كبير في إعادة التموضع الأمريكي في المنطقة على نحو بات يُعرف بـ "عسكرة الشرق الأوسط"، وذلك استناداً إلى خلق "فزاعات أمنية" تلاقت فرضياتها مع تحركات وأهداف واشنطن. أولاً: أزكت واشنطن التهديد الحوثي لأمن الملاحة عندما تراخت عن الحل السياسي في اليمن ورفعت اسم جماعة الحوثي من قائمة المنظمات الإرهابية مع صعود بايدن، وما تلى ذلك من توظيفات متباينة لتهديدات الحوثيين ضد حركة الملاحة على نحو ساهم في "عسكرة البحر الأحمر" وذلك بالنظر إلى رمزية عمليات "حارس الازدهار" ضد الجماعة وإعادة تصنيفهم كمنظمة إرهابية. ثانياً: ماهية الأبعاد الضمنية للعلاقات الأمريكية-الإيرانية، واختبارات عدم تجاوزها للمناوشات المنضبطة دون الانتقال للمواجهة المباشرة والحاسمة كإحدى الآليات الرامية لتوظيف مثل تلك التحركات في إضفاء الشرعية على مناورات أذرع طهران بالمنطقة. ومن ثم، مزيد من العسكرة وفصول متجددة من الحروب بالوكالة. ثالثاً: محاولة تطويق تموضع الصين وروسيا وعرقلة توجهاتهم الاستثمارية عبر مشروع "الحزام والطريق" والممر التجاري الصيني الباكستاني، والتعاون الصيني مع إيران، وما ينعكس بذلك على الإخلال بالأجندات التنموية الوطنية لدول المنطقة في وقت حرج للغاية تعاني فيه دول الإقليم من التردي في كافة المجالات الاقتصادية والتنموية.

استشراف ما بعد اليوم التالي 

يبدو أننا أمام العديد من الرهانات المتباينة لمسارات العلاقات المصرية – الإسرائيلية، ليس فقط في إطار ترتيبات اليوم التالي للحرب في قطاع غزة، ولكن كذلك بالنظر إلى التطورات المتلاحقة في رفح الفلسطينية وما لحق بها من عرقلة دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، بالإضافة إلى التصريحات الإسرائيلية الاستفزازية بشأن محور صلاح الدين "فيلادلفيا"، فضلاً عن عرقلتها لكافة جهود التفاوض، والإصرار على إعادة الترسيم الديموغرافي على نحو قد يدفع بعدد من الاعتبارات، أولاً: تصفية القضية الفلسطينية، ثانياً: إجهاض الثوابت المصرية فيما يتعلق بآليات الحل، ثالثاً: إضفاء مزيد من التهديدات الأمنية على الدولة المصرية عبر ممارسات الاحتلال للتهجير القسري للفلسطينيين ومحاولة فرض سيناريو الاستيطان بالأراضي المصرية، وهو ما تم رفضه – جملةً وتفصيلاً – من جانب القيادات المصرية، على نحو ما يفرض إدارة محتملة لمشهد العلاقات الثنائية استناداً إلى التصورات التالية:

• التصورات المصرية:  تُبنى على عدد من المحددات، أولاً: التناول الحذر مع الجانب الإسرائيلي على كافة المستويات الرسمية والشعبية التي أصبحت تتسم بالتعقيد، ثانياً: الالتزام بضبط العلاقات دون النظر لرسائل الاستدراج الإسرائيلي وعرقلة كافة السيناريوهات الرامية للزج بالقاهرة في دائرة الصراع القائم.

• التصورات الإسرائيلية:  تُبنى على عدد من المحددات، أولاً: إدراك إسرائيل أهمية استيعاب القاهرة وليس إقصاءها لما تتميز به من ثقل نوعي/ وحيوي بكافة المعادلات السياسية والاقتصادية والتنموية مع الأطراف العربية الأخرى في الشرق الأوسط. ثانياً: محاولة ضبط العلاقات الثنائية كـ "نافذة حيوية" يمكن استثمارها عبر وساطة القاهرة في الملف الصراعي القائم مع الجانب الفلسطيني وحركة المقاومة حماس.

وعليه، على الرغم من حالة التوتر التي تشهدها العلاقات المصرية – الإسرائيلية خلال الفترة الأخيرة نتيجة لما سبق استعراضه أعلاه، إلا أنه من غير المُحتمل الذهاب إلى "الخيار الصفري" ما لم تتجاوز تل أبيب الخطوط الحمراء للقاهرة التي قد تفضي إلى تصدع السلام القائم. وذلك لعدة اعتبارات، أولاً: الرسائل المصرية المباشرة وغير المباشرة حول توظيفات "الردع العسكري" حال الانتقال للخيار الصفري، ثانياً: ما ترتكز إليه أحد أهم الثوابت المصرية في السياسة الخارجية حول مدى التزامها باتفاقية السلام القائمة، وتجنيبها مخاطر "لعبة حافة الهاوية" التي يمارسها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للهروب من أزمات الداخل وإخفاقه في إدارة الخارج، خاصة أنه في حال تعليق تلك المعاهدة سيتم الزج بمنطقة الشرق الأوسط في فصول معقدة ولا نهائية من الفوضى والاضطراب.

ثالثاً: رغبة تل أبيب في إعادة الانخراط في المشروعات التنموية والاقتصادية في المنطقة فيما بعد اليوم التالي في غزة لتعويض خسائرها المادية الفادحة في الحرب، وهي تلك الترتيبات التي تتطلب وجود علاقات متوازنة مع القاهرة. رابعاً: محاولات تطويق كل من المجتمع الدولي والإدارة الأمريكية لحلحلة الاستنفار المصري الإسرائيلي، وتخوف الكافة من الانتقال من حالة "الاستنفار الإعلامي" إلى "المواجهة المباشرة"، خاصة مع تنامي حدة التصعيد القائم من جانب الأذرع الإيرانية لدى كل من: جماعة الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، بجانب حركة حماس في غزة وفصائل المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، بما قد يدفع المجتمع الدولي لممارسة المزيد من الضغوط لضبط العلاقات المصرية الإسرائيلية في إطارها المتوازن.


باحثة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي


إسرائيلمصرغزةفلسطينرفحمحور فيلادلفياسيناء