عيد بلا أضحية: الأزمة الاقتصادية تسرق أفراح اليمنيين

مواشي للبيع كأضاحي للعيد في مدينة عتق بشبوة، 26 يونيو 2023 (مركز سوث24) 

عيد بلا أضحية: الأزمة الاقتصادية تسرق أفراح اليمنيين

التقارير الخاصة

الثلاثاء, 27-06-2023 الساعة 05:38 صباحاً بتوقيت عدن

سوث24| عبد الله الشادلي  

في  حضرموت، اعتاد "الحاج محمد بن سالم"، على عقد اجتماع مُغلق مع عائلته المكوَّنة من ستة أفراد، قبل "عيد الأضحى" بأيام، لمراجعة مدخراتهم من أجل شراء أضحية العيد، لكن ميزانية الأسرة، حالت دون اكتمال الفرحة هذا العام وتنفيذ هذه الشعيرة الدينية.

قبل 10 سنوات من الآن، يقول الرجل الخمسيني إنَّه "كان يعقد اجتماعين في العام الواحد مع أفراد العائلة. الأول قبل عيد الفطر، والآخر في مثل هذه الأيام قبل عيد الأضحى، ولا ينتهي اجتماع العائلة المغلق، إلا برأسين من الأغنام أو ما يطيب للعائلة، في كل عيد، على حدّ قوله.

هذا العام، تحديداً، بلغت مدخرات الحاج محمد بن سالم وعائلته 30 ألف ريال يمني [21 دولاراً]. ورغم أنَّ الرجل أخذ كل ما بحوزته من نقود، أملاً في شراء ما يتناسب مع الميزانية، قال: "لم أيأس وتوجهت إلى سوق الأضاحي، لكنّ المبلغ لم يكن كافيا حتّى لشراء عنزة عجوز أو مصابة بأي داء، وعدت خاليَ الوفاض".


مواشي للبيع كأضاحي للعيد في مدينة المكلا بحضرموت، 26 يونيو 2023 (مركز سوث24) 

وأضاف لـ«سوث24»: "مرتبي 60 ألف ريال يمني [42 دولارًا]، وفي ظل التضخم، وعدم استقرار العملة، وتأخر صرف المرتبات؛ أصبح من الترف بالنسبة لمن هم بمثل حالي شراء الملابس والأضاحي. ابني في الجيش ولا أعلم متى تسلَّم راتبه آخر مرة".

إنَّه عيد الأضحى المقدس في اليمن، حيث يكابد الملايين من السكان اليمنيين شظف العيش في ظل أزمة اقتصادية طاحنة منذ سنوات. شراء أضاحي العيد يشكل كل عام هاجسًا مقلقًا للعديد من الأسر الفقيرة والمعدمة، حيث ارتفعت أسعار المواشي إلى مستويات قياسية غير معهودة، خصوصاً المحلية منها التي يفضلها السكان على المستوردة من أستراليا والصومال وبلدان أخرى.


ثيران وأبقار للبيع كأضحية للعيد في سوق شعبي بمدينة الضالع، 26 يونيو 2023 (مركز سوث24)  

وفي أسواق المواشي في عدد من المحافظات، عبر مواطنون لمركز "سوث24" عن خيبة أملهم في الحصول على أضحية تناسب مدخراتهم المتواضعة. وليس ارتفاع أسعار الأضاحي وحده ما يمنع هؤلاء، بل أيضًا انقطاع مرتبات المنتمين للسلك العسكري والأمني منهم، وتدني مرتبات موظفي القطاع المدني، علاوة على أولئك العاملين بالأجر اليومي.

أسعار مرتفعة 

في العاصمة عدن، جنوب اليمن، وصل متوسط أسعار الأضاحي إلى 350 ألف ريال يمني للخروف الواحد متوسط الحجم، [255 دولارًا]. ويزيد هذا السعر أو ينقص بحسب حجم الماشية أو مصدرها. وتعتبر محافظة أبين من أبرز المحافظات المصدرة للمواشي إلى عدن كل عام، حيث تمتاز مواشيها بالجودة العالية.

وبالنسبة للثيران، التي لا يكثر شراؤها في عدن هنا حيث يفضل المواطنون شراء الأضاحي الصغيرة التي يسهل تبريد لحومها وتخزينها، يصل سعر الثور المتوسط إلى 1.5 مليون ريال يمني، ما يعادل [1094 دولارًا] بحسب سوق الصرف هذه الأيام. وغالبًا ما يتشارك فريق من أربعة أو ستة أشخاص أضحية من هذا النوع إذا توفرت إمكانات الشراء.

وفي مدينة تعز ذات الكثافة السكانية العالية في شمال اليمن، أسعار المواشي ليست مختلفة كثيرًا عن عدن. ويتراوح سعر الخروف متوسط الحجم بين 350 – 400 ألف ريال يمني، بينما يتراوح سعر الثور متوسط الحجم بين 1.2 – 1.4 مليون ريال يمني.


مواشي للبيع كأضاحي للعيد في مدينة المكلا بحضرموت، 26 يونيو 2023 (مركز سوث24) 

ويرى المواطن "خلدون الشميري" أنَّ هذه الأسعار في تعز غير عادلة، فالمحافظة تعرف بتربية المواشي في الأرياف ومن المفترض أن تكون أسعار المواشي فيها منخفضة أكثر حدَّ تعبيره. وقال لـ "سوث24": "الخروف المتوسط سوف يكلفني قرابة 350 ألف ريال [255 دولارًا] العام، إنَّه مبلغ كبير بالنسبة لأشخاص مثلي".

وفي سوق شعبية للمواشي في مدينة المكلا، شرح البائع سليمان باضلاع لمركز "سوث24" ركود سوق الأضاحي هذا العام. وأضاف: "هناك ضعف إقبال من الناس على شراء المواشي. لقد فرض علينا هذا البيع بأسعار أقل من المحدد. يتراوح سعر الخروف المتوسط بين 180 – 200 ألف ريال يمني، وهو سعر أقل من المطلوب نظرًا لتكلفة الأعلاف وأجور النقل".

وفي محافظة شبوة، تصل أسعار الخراف والماعز في هذا العام إلى ما لا يقل عن 400 ألف ريال [ما يعادل 292 دولارًا] للأحجام الكبيرة، ونحو 300 ألف ريال [219 دولارًا] للمتوسطة، و200 ألف ريال [146 دولارًا] للصغيرة التي يتجاوز عمرها الستة أشهر، استيفاءً لشروط التضحية.

وبينما يفضل السكان في المناطق الساحلية الأغنام والمواعز، أي المواشي صغيرة الحجم، يفضل سكان المناطق الجبلية الثيران والأبقار. وفي محافظة الضالع، يتراوح أسعار الثيران بين مليون ريال يمني [730 دولارًا] للصغيرة منها، وصولًا إلى 2 مليون ريال للمتوسطة والأكبر حجمًا. كما تتراوح أسعار الأغنام بين 250 – 350 ألف ريال. 


ثيران وأبقار للبيع كأضحية للعيد في سوق شعبي بمدينة الضالع، 26 يونيو 2023 (مركز سوث24)  

ويعتقد المواطن علي عبد الله أنًّ عيد الأضحى هذا العام أقل حظًا. وقال لمركز "سوث24": "الناس في حالة يرثى لها، من جميع النواحي. الرواتب لا تصرف للجنود هنا إلا مرة كل بضعة أشهر، ومرتبات المعلمين غير كافية لشراء الأضحية، حتى لو جمعت لعدة أشهر متلاحقة".

ولا تتوقف معاناة السكان عند أسعار الأضاحي وانخفاض القدرة الشرائية بشكل حاد فقط، فكل شيء يخص الأعياد أصبح سعره باهظًا كما يؤكد المواطن جلال العريقي في محافظة تعز. "الملابس في الأسواق غالية، لم استطع شراء ما يلزم لأطفالي الأربعة. كان من الصعب أن أعود أمس خالي الوفاض إليهم. إنَّه شعور مؤسف لأي أب". 


ثيران وأبقار للبيع كأضحية للعيد في سوق شعبي بمدينة الضالع، 26 يونيو 2023 (مركز سوث24)  

فرحة مطلوبة 

رغم ما خلفته الأزمة الاقتصادية على السكان، الذين كانوا يعانون من مستويات معيشة من بين الأدنى في العالم حتَّى قبل الحرب الراهنة، يحاول الناس التمسك بالحد الممكن من "فرحة مطلوبة" في هذا العيد الديني. ووفقًا للمواطن محمد باوزير، "العيد هو عيد الأطفال. هكذا نرى الأمر. أنا ملزم بالذهاب يوميًا إلى أسواق المكلا لانتزاع ما يمكن من أجل إدخال الفرحة على قلوب الأطفال".


أحذية وملابس في بسطات على الشارع بمدينة المكلا بحضرموت، 26 يونيو 2023 (مركز سوث24) 

آخرون مثل المواطن سعيد المشجري، وجدوا استراتيجيات تخفف عنهم أعباء ومشاق الحياة والأزمة الراهنة للحصول على قدر معقول من فرحة العيد. وبالنسبة له، كانت تربية المواشي هي الوسيلة المثلى. وقال لمركز "سوث24": "أشتري فقط القليل من الأعلاف الخضراء واليابسة لثلاث خراف نربيها في فناء المنزل، وما يزيد من طعامنا يذهب للخراف، وبذلك نكون قد وفرنا الكثير من المال للإنفاق على طعامها".

أما الشاب سعيد الأحمدي، فيرى أن شراء الملابس من الأرصفة والبائعين المتجولين في مدينة المكلا يوفر عليه الكثير من المال. وقال لمركز "سوث24": "توجد في شوارع المكلا، شتى أنواع الملابس وبأسعار مناسبة، مقارنة بأسعار المحلات التي تصل إلى الضعف أحيانًا".


حلوى وشوكولاتة للعيد في بسطة على الشارع بمدينة المكلا بحضرموت، 26 يونيو 2023 (مركز سوث24) 

الناس هنا يحبون الحياة والبهجة، هذا هو الانطباع الذي يحصل عليه من يتجول في الأسواق الشعبية. منغصات كثيرة تبدأ من أسعار الأضاحي والملابس المرتفعة، ولا تنتهي عند أزمة المرتبات وتردي الخدمات، لا سيَّما الكهرباء التي يعتمد عليها السكان في تبريد وتخزين لحوم أضاحيهم، وبالأخص في المدن الساحلية مثل عدن، والمكلا، والحديدة، وغيرها. 


صحفي لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات