AFP
12-05-2023 الساعة 4 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | د. إيمان زهران
يُضفي تصاعد وتيرة الأحداث السياسية والأمنية لقوى الجيش النظامي ومسلحي الدعم السريع منذ 15 إبريل 2023، فضلاً عن تمدد خريطة العمليات الميدانية بالأراضي السودانية، مزيداً من الاضطرابات على سياقات الترتيبات السياسية التي شهدتها السودان منذ 8 يناير 2023، بين مجلس السيادة والقوى المدنية الموقعة على "الاتفاق الإطاري"، وفي مقدمتها قوى الحرية والتغيير، والمجلس المركزي. وذلك في إطار مساعي الأطراف الداخلية والوساطات الإقليمية للدفع بمسار الحل السلمي للأزمة السياسية القائمة، لتُخلف الأزمة السودانية القائمة أزمة نوعية جديدة على مسار الحل السياسي وعلى مستقبل توازنات السودان، فضلاً عن عمق الارتدادات المتباينة في تلك الأزمة على العديد من الملفات الأمنية الحيوية بالإقليم، وفي مقدمتها بيئة البحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقي.
إشكالية السودان
عزّزت حالة "الانسداد السياسي" من تمدد "الإشكالية السودانية"، مع تحرك قوات الدعم السريع في 15 إبريل 2023، في العديد من المدن والمناطق، لتُعيد ترسيم أُطر الفوضى بالداخل السوداني، عقب عرقلة "خارطة الطريق الدولية" لإنهاء حالة الجمود السياسي عقب الانتفاضة على نظام البشير، إذ ثمّة عدداً من الارتدادات النوعية ساهمت في ذلك التحرك، حيث:
- تنامت الخلافات الداخلية حول محددات البدء في تنفيذ "خارطة الطريق الدولية"، والتحرّك نحو إنجاز متطلبات "الانتقال السياسي" مع الأطراف المدنية. إذ كان من المقرر توقيع اتفاق نهائي في وقت سابق من أبريل الماضي، وذلك بالتزامن مع الذكرى الرابعة للتحركات الشعبية ضد الرئيس السابق "عمر البشير".
- إشكالية وضع الجيش من العملية السياسية، إذ أن "خارطة الطريق" لم توضّح الجدول الزمني لدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة النظامية، وآلية وضع الجيش رسمياً تحت الإشراف المدني.
- تراشق الاتهامات بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع حول أسباب الفوضى الأمنية القائمة، إذ اتهم الجيش قوات الدعم السريع بالتعبئة غير القانونية خلال الفترة الماضية، بينما صرّحت قوات الدعم السريع أن الجيش حاول الاستيلاء على السلطة بالكامل في مؤامرة مع الموالين للرئيس السابق عمر البشير[1].
وبالنظر لحجم التشابكات السياسية وخريطة التحركات الميدانية خلال الأيام الماضية منذ بداية الاشتباكات في 14 إبريل الماضي وحتى وقتنا هذا، فثّمة عدد من الملاحظات على "الأزمة السودانية"، حيث:
- تعدد المستويات الصراعية: إذ لم تُبنى الأزمة السودانية على الصراع "العسكري– العسكري" بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع، ولكن هناك مستويات أخرى أعمق للصراع، وتتباين في: أولاً صراع "مدني– عسكري"، وذلك بالنظر إلى تعثّر مرحلة الانتقال السياسي في السودان والانقسام المدني بين الأطراف العسكرية المتنازعة. وثانياً، صراع "مناطقي-جهوي"، وذلك بالنظر إلى الانتماءات الجهوية والقبلية لأطراف الصراع القائم، ومدى ثقل "القبيلة" بالعمق السوداني وكذلك بمحيطها الجغرافي. بينما ثالثاً، فيتمثّل في صراع "الأيدولوجيات– الأجندات السياسية"، خاصة مع تصاعد أطياف مختلفة بالمشهد السياسي السوداني وفي مقدمتهم الإخوان المسلمون.
- تعثر الانتقال السياسي: ثمّة تخوفات لدى القيادة العسكرية مما قد تؤول إليه الأوضاع عقب إتمام مرحلة التحول السياسية، فالإشكالية الرئيسية تتمثّل في "الضمانات"، وهو ما قد يحول دون إنجاز خارطة الانتقال السياسي. إذ لم يتم تقديم ضمانات واضحة وشاملة لعملية تسليم السلطة، فضلاً عن عدم وجود خطة واضحة للتقييم والمراجعة لعملية الانتقال السياسي، بالإضافة إلى تخوّف العديد من قادة الجيش من الملاحقة القضائية فيما بعد المرحلة الانتقالية.
- إطالة أمد الفوضى الأمنية: وهو أحد أهم الملاحظات فيما يتعلق باحتمالات استمرار الصراع المسلح بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع، وذلك لسببين، أولاً: الخلاف حول الجدول الزمني لإنجاز متطلبات الدمج لقوات الدعم السريع في الجيش النظامي السوداني. والثاني: ما يتعلق بالطموح السياسي لكلا القائدين العسكريين، فقائد الجيش يُعد رئيساً للمجلس السيادي، وبالمقابل يسعى قائد الدعم السريع للوصول إلى هرم السلطة، فضلاً عن سعيه لإفشال مخطط الاندماج والخضوع للمؤسسة العسكرية، وهو ما تؤشر له خريطة التحركات الميدانية لقوات الدعم السريع عبر استهدافها للمطارات والمواقع العسكرية للجيش النظامي.
ومن ثم، فتأسيساً على حالة الاضطرابات المتباينة وحالة "اللا-حسم" بالمسألة السودانية، فثّمة انعكاسات مباشرة على تلك الأزمة تتمثل في، أولاً: تفاقم الأزمة الإنسانية وما يلحق بذلك من تزايد معدلات النزوح من السودان إلى دول الجوار، فضلاً عن انعكاس الأزمة القائمة على تعثّر توفير الاحتياجات الرئيسية من الغذاء والرعاية الصحية والتعليمية. وثانياً: تنامي معدلات الاضطراب الاقتصادي حيث تدفع الأزمة القائمة بتعطيل الاقتصاد مما يزيد من ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، حيث أشار صندوق النقد الدولي من أن الاقتصاد السوداني قد ينكمش بنسبة خمسة في المئة عام 2023[2]. وثالثاً: اضطراب الإقليم حيث تزيد الأزمة من المخاوف الأمنية في بيئة مضطربة إقليمياً، خاصة في جنوب السودان وإثيوبيا والصومال وليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى، بالإضافة إلى الأوضاع الهشة في القرن الإفريقي وإقليم الساحل بشكل عام. لتأتي الأزمة السودانية لتمثل تحدياً كبيراً للمجتمع الدولي وأجنداته المتباينة بالقارة الإفريقية.
ارتدادات أمنية
تُضفي الأزمة القائمة عديد من التساؤلات حول مستقبل الإقليم، وذلك بالنظر إلى جيوسياسية السودان، إذ كونها تُعد الدولة الثالثة إفريقياً من حيث المساحة، فضلاً عن تركيبتها البشرية الخاصة، ومحوريتها في ثلاثة مناطق حيوية: شمال إفريقيا، ومنطقة الساحل والصحراء، والقرن الإفريقي. ومن هنا يمكن النظر إلى الأزمة القائمة استناداً إلى حجم التشابكات السياسية والأمنية، وارتداداتها المتباينة على مُجمل التحولات الإقليمية خاصة في منطقتي البحر الأحمر والقرن الإفريقي، وذلك على النحو التالي:
- ارتدادات الأزمة السودانية على أمن البحر الأحمر
تدفع تطورات الأزمة القائمة بالداخل السوداني إلى مزيد من الاضطرابات في بيئة البحر الأحمر على نحو ما يهدد كافة الترتيبات الاقتصادية والأمنية بالإقليم، فضلاً عن تهديد أحد أهم الممرات التجارية العالمية، بالإضافة إلى تخوّفات القوى الإقليمية والدولية، وذلك بالنظر إلى ما يلي:
1. التخوّفات الأمريكية
دوماً ما تحرص واشنطن على تأمين الترتيبات الاقتصادية والعسكرية الأمنية ببيئة البحر الأحمر، عبر شبكة من التنسيقات المباشرة وغير المباشرة مع الدول المطلة على البحر الأحمر والدول الإقليمية والدولية ذات التواجد، وذلك بهدف ضبط التفاعلات بالمنطقة. مثل ما يتعلق بضبط التحركات الصينية بالبحر الأحمر في إطار مشروعها التنموي "طريق الحرير الجديد"، بالإضافة إلى ضبط التحركات العسكرية انطلاقاً من "قاعدة بكين" في جيبوتي. إلا أنّه بالمقابل، ثمّة رغبة أمريكية في تقويض خطط موسكو في التمركز بالبحر الأحمر وعرقلة تحركاتها نحو تعزيز أطر الاتفاقية التي وقعتها مع الخرطوم في عام 2020، بشأن إقامة مركز لوجستي بحري في ميناء بورتسودان بهدف الانفتاح على العمق الإفريقي.
2. التخوّفات الصينية
تنطلق التحركات الصينية وفقاً لأطر برجماتية عبر التخوّف من الارتدادات المتباينة لتطورات الأوضاع الأمنية في السودان وانعكاسها المباشر على تهديد أمن الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وذلك استناداً لفرضيات نظرية "القوة البحرية"[3]، ومن ثم تهديد مشروعها الاقتصادي الحزام والطريق "طريق الحرير الجديد". فضلاً عن إشكالية تأمين إمدادات الطاقة.
3. التخوّفات الروسية
تُبنى التخوفات الروسية على عدد من الأطر التي ترتكز جمعيها على فرضية إعادة ترسيم التمدد الروسي بمناطق النفوذ الإفريقي، وفي المقدمة منطقة البحر الأحمر، وذلك بالنظر إلى تخوفات موسكو من انعكاس التطورات الميدانية بالأزمة السودانية على عرقلة رغبة موسكو في التمركز بالبحر الأحمر، وتعزيز أطر الاتفاقية التي وقعتها مع الخرطوم عام 2020، بشأن إقامة مركز لوجستي بحري في ميناء بورتسودان بهدف الانفتاح على العمق الإفريقي.
4. التخوّفات السعودية
ثمّة تخوف من جانب الرياض إزاء التطورات الميدانية والسياسية بالأزمة السودانية، وذلك بالنظر إلى مشاركتها الحدود البحرية مع السودان، إذ تخشى من احتمالات سقوط الدولة، فضلاً عن التخوف من إعادة إنتاج نموذج الفوضى الليبية على الضفة الغربية المقابلة للمملكة العربية السعودية في البحر الأحمر. وهو التخوّف الأكثر ترجيحاً بالنظر إلى جُملة المعطيات خلال الآونة الأخيرة، واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران عبر الوساطة الصينية[4]، لتهدئة الأوضاع في اليمن وضمان عدم تهديد المصالح السعودية في البحر الأحمر بعد صراع ممتد منذ عام 2015. ولذلك أطلقت السعودية والولايات المتحدة مبادرة مشتركة لجمع طرفي الصراع في جدة[5]، وأُعلن مساء الخميس 11 مايو عن توصّل طرفي الصراع لاتفاق مبادئ أولي بهدف تجنيب المدنيين الضرر.[6]
- ارتدادات الأزمة السودانية على أمن القرن الإفريقي
تُعد منطقة القرن الإفريقي ذات بُعد حيوي واستراتيجي للتجارة الدولية عبر البحر الأحمر وقناة السويس، إذ تضم كلٌ من: "إريتريا وإثيوبيا وجيبوتي والصومال". وتعد من أكثر المناطق نزاعاً على النفوذ بين القوى العظمى والإقليمية المعنية، وهو ما يدفع دول تلك المنطقة من التخوّف من حجم الارتدادات المتباينة حال تطور الأزمة السودانية، خاصة دولتى إريتريا وإثيوبيا، وذلك على النحو التالي:
1. التخوّفات الإريترية
ثمّة تهديدات نوعية تلحق بدولة إريتريا حال تطور الأزمة السودانية تتمثل فيما يلي[7]، أولًا: هاجس "عودة اللاجئين الإريتريين" البالغ عددهم أكثر من 234 ألف لاجئ من السودان، وثانياً: التخوّف من تنامي تهديدات الحركات المسلحة بالداخل الإريتري نتيجة لما قد تخلفه الأزمة السودانية من حالة فوضى بالإقليم، وثالثاً: ما يتعلق بالطموح السياسي للرئيس الإريتري "أسياس أفورقي" لتعزيز نفوذه بالداخل السوداني عبر الدفع بعناصر إريترية بالصراع القائم لدعم الأطراف السودانية – خاصة قوات الدعم السريع[8] - لمعادلة تسوية العملية الصراعية بالمستقبل.
2. التخوّفات الإثيوبية
بالإشارة إلى حالة الإضطراب الأمني والسياسي والاجتماعي بالداخل الإثيوبي، فثمّة عدد من التخوفات تُحيط بأديس أبابا حال تطور الأبعاد الأمنية والميدانية بالمسألة السودانية، وذلك بالنظر إلى ما يلي[9]، أولاً: التخوف من الامتداد الميداني للحركات المسلحة إلى خارج الحدود السودانية. وثانياً: التخوّف من تموضع القوات العسكرية الدولية في السودان حال تطور الأوضاع، مثل "قوات الفاجنر"، بما يُحد من النفوذ الإثيوبي بالمنطقة. بينما ثالثاً: فيتمثل في التخوف من إشكالية "عودة اللاجئين الإثيوبين" بما يُشكل ضغطًاً على الحكومة الفيدرالية الإثيوبية، ويزيد من فرص الاضطرابات الاجتماعية والصراعات الإثنية بالداخل الإثيوبي. ورابعاً: التخوّف من احتمالات اضطراب حركة التجارة الدولية عبر ميناء بورتسودان في حال تفاقم التصعيد بالداخل السوداني، وهو الطريق الذي تعتمده أديس أبابا في اتصالاتها عبر البحر الأحمر بالعالم الخارجي.
بالمحصّلة، يبدو أن السودان مُرشح إلى الاستمرار بسيناريو "اللا – حسم"، وذلك بالنظر إلى مُجمل التحولات الجيوسياسية بالخريطة الميدانية للصراع، فضلاً عن حجم التنسيقات الثنائية لكلا الطرفين بالمعادلة الصراعية "الجيش النظامي - قوات الدعم السريع"، مع مختلف القوى الإقليمية والدولية، كمحاولة لتعزيز النفوذ واستقطاب مزيد من أدوات الدعم بالتوازي مع استمرار العمليات العسكرية؛ على نحو ما قد يُنذز بتراجع فاعلية أدوار الوساطة – رغم الآمال التي بعثها "إعلان جدة". فضلاً عن محدودية الرهان على ما قد تُسفر عنه قرارات اجتماعات الجامعة العربية فيما يتعلق بالمسألة السودانية؛ والمزمع انعقادها خلال الشهر الجاري بالمملكة العربية السعودية. ليظل الرهان على اختراق سيناريو "اللا– حسم" حول ما تملكه القوى الإقليمية والدولية من أوراق ضغط على طرفي الصراع وفرض التهدئة، والدفع مرة أخرى بالمسار السياسي، وإعادة البناء على خارطة الانتقال السياسي مع مراعاة جدول زمني محدد للعملية الانتقالية، وتعيين ضمانات واضحة وشاملة لما قد تؤول إليه الأوضاع السياسية والأمنية فيما بعد المرحلة الانتقالية.
المراجع:
[1] إيدن لويس، خالد عبدالعزيز، نظرة فاحصة- أزمة السودان.. الأسباب والتداعيات، SWI swissinfo.chK ، 24/4/2023، bit.ly
[2] ذكي بن مدردش، إلى أين تتجه الأزمة السودانية؟، موقع اندبندنت عربية، 26/4/2023، bit.ly
[3] نظرية القوة البحرية: تُعرف بكونها نظرية النفعية الجيوبولتيكية، حيث وضعها الأدميرال الأمريكي ألفريد ماهان أواخر القرن التاسع عشر، وأكد من خلالها ماهان على العلاقة الطردية ما بين القوة البحرية والتنمية الاقتصادية.
[4] إيمان زهران، التفاهمات السعودية - الإيرانية وتوسيع خارطة بريكس، مركز سوث24 للأخبار والدراسات، 2/4/2022، bit.ly
[5] الرياض تعلن عن مبادرة سعودية أمريكية لاستضافة طرفي الصراع السوداني | أخبار DW عربية |
[6] توقيع اتفاق مبادئ أولي بين الجيش السوداني والدعم السريع (alarabiya.net)
[7] أحمد عسكر، حسابات الداخل والجوارالمباشر تجاه الصراع فى السودان، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 29/4/2023، bit.ly
[8] الجدير بالذكر أن هناك تقارب بين النظام الإريترى"الرئيس/ أسياس أففورقى" وقائد قوات الدعم السريع "حميدتى" ، أسفرت عن زيارة الأخير فى مارس الماضى إلى أسمرا لمناقشة الترتيبات الثنائية، أخذا فى الإعتبار تعاظم الدور الإريترى كفاعل إقليمي فى منطقة القرن الإفريقي.
[9] أحمد عسكر، حسابات الداخل والجوارالمباشر تجاه الصراع فى السودان، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، مرجع سبق ذكرة.
قبل 3 أشهر