التقارير الخاصة

استيراد المركبات المستعملة في اليمن: عيوب وحوادث

تفريغ سيارات مستعملة من سفينة شحن في ميناء نشطون بمحافظة المهرة (هاني بلبحيث)

01-04-2023 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24 | عبد الله الشادلي


تُعتبر اليمن من الأسواق المزدهرة للسيارات والمركبات المُستعملة التي تشحن بحرًا من مناطق مختلفة في العالم دون رقابة أو ضوابط، لرخص سعرها على حساب الأداء والجودة والعمر الافتراضي لها.


وبشكل أساسي، تدفقت هذه المركبات عبر ميناء المكلا بمحافظة حضرموت، إبان سيطرة تنظيم القاعدة على الساحل في عام 2015؛ الأمر الذي مكّن التجار من استيراد أنواع من السيارات المستعملة والرديئة دون الاهتمام بأدنى معايير السلامة، مقابل تدفّق العائدات الجمركية.



تفريغ سيارات مستعملة من سفينة شحن في ميناء نشطون بمحافظة المهرة (هاني بلبحيث)


وتسببت السيارات ذات العيوب الفنية بالفتك بأرواح كثيرين على مدى السنوات الماضية في مختلف المحافظات، كما تصدرت الحوادث المرورية في المدن الرئيسية المزدحمة بالسكان. وحتَّى الآن، لازالت كميات من هذه المركبات تتدفق بحسب مصادر خاصة لـ "سوث24".


الاستيراد


يستورد التجار اليمنيون أنواع كثيرة من السيارات المستعملة من تصنيع شركات تويوتا، وميستوبيشي، وأيسوزو، وهيونداي، بالإضافة لمركبات النقل [الباصات] ومركبات نقل متوسطة وثقيلة.



تفريغ سيارات مستعملة من سفينة شحن في ميناء نشطون بمحافظة المهرة (هاني بلبحيث)


وتنتشر معارض هذه المركبات والسيارات في كثير من المحافظات في جنوب اليمن وشمال اليمن، لاسيما محافظة حضرموت ومحافظة المهرة في الجنوب. ويُطلَق على تلك السيارات محليًا "الأوروبي"، بينما يتم استيرادها من دول آسيوية، مثل كوريا الجنوبية واليابان على وجه الخصوص. 


ورغم تسميتها المحلية المُثيرة للجدل [الأوروبي]، لا تأتي هذه السيارات من أوروبا على الإطلاق، وفقاً لشهادات بعض الخبراء والمهندسين المحليين الذين تحدّثوا لـ "سوث24."


وتتميز هذه السيارات بسعر أقل، مُقارنة بأسعار الماركات المُطابقة للمواصفات المحلية والخليجية، مثل "تويوتا"، الأكثر شهرة في اليمن، وهو ما يدفع المواطنين لشراء هذه السيارات نظرا للقدرة الشرائية المنخفضة لمعظم السكان.


ويلفت المهندس أبو بكر الحسني إلى أنَّ انخفاض تكلفة السيارات والمركبات المُستعملة من أبرز الأسباب لانتشارها في اليمن. وقال لـ "سوث24": "المواطنون في دول المنشأ الأجنبية يفضلون تغيير مركباتهم بشكل دوري، ومتابعة الإصدارات الجديدة؛ وبالتالي تستبدلها المصانع لهم مقابل احتساب فارق معين".


وأضاف: ""بطبيعة الحال، تبحث المصانع عن الربح السريع، وتبيع هذه السيارات في المزادات بأسعار مُغرية جدّاً، وتختصر على نفسها إعادة تجديدها ومن ثم بيعها مرة أخرى".


وتفرض قوانين بعض الدول مسافة معينة تقطعها السيارات قبل أن تصل إلى مستويات متدنية للتحدّ من التلوث. وفي اليابان، تجبر هذه القوانين سائقي السيارات على بيع مركباتهم بعد قطعها مسافة 50 ألف كيلومتر، وفقاً للمهندس الحسني.



سيارات يابانية مستعملة خضعت لعملية تحويل عجلة القيادة في معرض للسيارات بمدينة المكلا في محافظة حضرموت، 30 مارس 2023 (مركز سوث24)


وعلى الرغم من أنّ بعض السيارات تصل اليمن وهي ما تزال بحالة جيدة، ولم تبلغ محركاتها الحد الأعلى من العمر الافتراضي – بالنسبة للطلب المحلي – إلا أنَّها لا تعدو عن كونها مجرّد نفاية بالنسبة لدول التصنيع.


لكنَّ الخطورة الأكبر ليست في السيارة المستعملة فحسب طبقا للمهندس الحسني، بل تلك التي يوجد فيها اختلال أو عيب فني. وأشار إلى بعض السيارات التي تستورد لليمن تعرضت لصدمات جسيمة وحوادث غرق، مضيفا: "من المعلوم أنّ السيارات المؤمَّنَة يُدفع لمالكيها تعويضات، وبالتالي تبيعها شركات التأمين في المزادات بالجملة وبأقل الأسعار".


وأردف: "يجلب التجار السيارات التالفة والمحطمة ويعملون على تجديدها وتجميع قطع غيار رديئة لها، ثم يبيعونها بأسعار زهيدة، ويكون المكسب أضعاف ثمن البيع".


ويرى السمسار في سوق السيارات المستعملة في حضرموت، خالد المهنا، أن المواطنين لم يعد يهمهم سوى السعر الرخيص للسيارات والمركبات قبل كل شيء. 


وأضاف لـ "سوث24": "الناس يبحثون عن السعر الأقل، حتّى وإن كانت جودته رديئة. إنَّهم لا يفكرون بالسلامة أكثر من التفكير باقتناء سيارة لإعالة أسرهم منها."


عيوب قاتلة


سالم الكلالي، شاب من أبناء محافظة حضرموت هو أحد ضحايا السيارات المستعملة في جنوب اليمن، شرح لـ "سوث24" قصته مع إحدى السيارات اليابانية المستوردة التي اشتراها من محافظة المهرة العام الماضي.


وقال الكلالي: "بينما كنت عائداً من مديرية نشطون بالمهرة، إلى مديرية الشحر بحضرموت، تفاجأت في منتصف الطريق أنَّ دوّاسة المكابح توقفت عن العمل".


وأضاف: "لحسن الحظ، كانت أمامي شاحنة نقل كبيرة. استعملت فرامل اليد لتهدئة السيارة قدر المُستطاع، إلا أنَّه لم يكن هناك مفر من الاصطدام بها؛ كي لا أنحرف عن المسار وأهلك".  ولفت الشاب إلى أنَّه خسر السيارة في الحادث، وتعرّض لرضوض في القفص الصدري أدت إلى تلقيه العلاج لمدة أشهر. 



مركبة نقل ثقيل خضعت لعملية تحويل عجلة القيادة في معرض للسيارات بمدينة المكلا في محافظة حضرموت، 30 مارس 2023 (مركز سوث24)


وأرجع المهندس أبو بكر الحسني توقُّف المكابح إلى تعطّل نظام "الهيدروليك" أو تسرّب الزيت؛ نتيجة لتلف الخزان، لافتاً إلى أنّ هذا الخلل "شائع في هذه السيارات".


وأضاف: "الأكثر خطورة من توقّف المكابح عن العمل في هذه الأنواع من السيارات، هو توقّف المقود عن العمل. من يتعرّض لمثل هذا الخلل، غالبا ما يلقى حتفه، إذا كانت السرعة أكثر من المتوسط".


ووفقا له، ترجع أغلب حالات توقف المقود عن العمل إلى عملية تبديل المقود من الجهة اليمنى إلى الجهة اليسرى في بعض السيارات لمطابقة نظام السير في اليمن، بشكل لما صممت السيارة من أجله للاستخدام في بلدان ذات أنظمة سير معاكسة.


وأضاف: "عمليات تحويل عجلة القيادة لا تتم بالشكل الصحيح في الغالب. هذه المشكلة أحد أسباب تعطّل أو توقف عجلة القيادة عن العمل، وتؤدّي إلى وقوع حوادث شنيعة."


واستعرض الحسني مشكلات أخرى تلازم هذه السيارات: "نادراً ما يتم تركيب عمود توازن جيّد لها، وعادة ما يتم توليف أعمدة توازن غير متطابقة، ناهيك عن أنّ الوسادة الهوائية أصبحت جزءاً من الماضي، منذ دخول هذه السيارات إلى أسواق اليمن".


ويشير الحسني إلى أنّ بعض سيارات "هيونداي" دخلت اليمن بمحركات تعمل بوقود "الديزل" ويعاني أصحابها من مشكلات كثيرة، مشيرا إلى إنَّ "هذه المحركات تتطلب أنواعا مُعينة من الوقود، ليس كالذي في اليمن".



سيارات هيونداي خضعت لعملية تحويل عجلة القيادة وتعمل على وقود الديزل في معرض للسيارات بمدينة المكلا في محافظة حضرموت، 30 مارس 2023 (مركز سوث24) 


حوادث مرورية


في تصريح لـ "سوث24"، قالت شرطة السير في ساحل ووادي وصحراء حضرموت إنَّ عدد الحوادث المرورية خلال عام 2022 بلغ نحو 165 حادث في المحافظة. وفي محافظة لحج، قالت مصادر في شرطة السير إنَّ المحافظة شهدت خلال 2021 قرابة 162 حادث مروري.


وفي محافظة تعز، كبرى محافظات شمال اليمن سكانيا، أوضحت شرطة السير في المحافظة لـ "سوث24" أنَّ "عدد الحوادث المرورية خلال العام الماضي بلغ نحو 213. وفي العام الذي قبله، 224. ولم نتمكن من الحصول على أرقام دقيقة من العاصمة عدن لعدم تجاوب شرطة السير هناك.


ويتفق مسؤولو المرور وشرط السير الذين تحدثوا لـ "سوث24" على أنَّ جزءا كبيرا من الحوادث سببه السيارات المستعملة المستوردة إلى البلاد، إلى جانب الطرقات والبنية التحتية المتهالكة في عموم المحافظات. 


إجراءات حكومية ضعيفة


في 30 ديسمبر 2021، أعلنت الحكومة اليمنية اتخاذ إجراءات تُنظّم عملية استيراد السيارات والمعدات، تضمّنت عدم السماح بإدخال السيارات المستعملة إذا تجاوزت مُدّة تصنيعها خمس سنوات بخلاف سنة الصُنع.


وعلى الرغم من أنّ هذا القرار – إلى حدٍّ كبير – فرض قيوداً على تُجّار الاستيراد؛ إلا أنَّه ظهر كمُجرّد "قرار اقتصادي" دون مراعاة معايير السلامة في السيارات والمركبات التي يتم استيرادها، كما أنّه لم يتطرّق إلى مصير السيارات الموجودة في المعارض.  



تفريغ سيارات مستعملة من سفينة شحن في ميناء نشطون بمحافظة المهرة (هاني بلبحيث)


لقد شجّع التراخي الحكومي التجار ومالكي المعارض على الاستمرار في عملهم، كما جعلهم يلعبون دور الوكلاء الرسميين للشركات. في المقابل تُعاني معارض السيارات التي توفّر أنواع لوكالات رسمية من الركود؛ في ظلّ "منافسة غير عادلة"، كما يصفها التاجر سالم العمودي في حديثه لـ "سوث24".




صحفي لدى مركز سوث24 للاخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا