التقارير الخاصة

هل سيضطر الانتقالي الجنوبي إلى إعلان «الإدارة الذاتية» من جديد؟

قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي (مركز سوث24)

04-12-2022 الساعة 5 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24| عبد الله الشادلي


في 25 أبريل 2020، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي الإدارة الذاتية لمحافظات جنوب اليمن، بعد تعثر تنفيذ اتفاق الرياض الموقَّع في 5 نوفمبر 2019. مثَّل ذلك الإعلان أقوى خطوة سياسية اتخذها المجلس الذي تشكَّل في مايو 2017، لكنَّ هذه الخطوة ألغيت بعد 3 أشهر تزامناً مع إعلان السعودية "التوصل لآلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض."


ورغم تحقق بعض بنود اتفاق الرياض لاحقاً، مثل تشكيل حكومة مناصفة بين جنوب اليمن وشمال اليمن في أواخر العام نفسه، إلا أنَّ قرار الإلغاء نُظر إليه من الكثيرين، بينهم قيادات بارزة في الانتقالي نفسه [1]، كخطوة خاطئة أفقدت المجلس الجنوبي أهم مكاسبه وأظهرت الإدارة الذاتية كورقة ضغط لا خطوة استراتيجية ضمن مساعي الاستقلال.


عملياً، اقتصرت الإدارة الذاتية على العاصمة عدن والمحافظات المجاورة مثل لحج والضالع وأجزاء من أبين بالإضافة لأرخبيل سقطرى الذي تمت السيطرة عليه في يونيو من ذات العام، فيما بقت محافظات الجنوب الشرقية الغنية بالنفط والغاز مثل شبوة وحضرموت خارج هذه الإدارة آنذاك.


ومع أنَّ الإدارة الذاتية حقَّقت بعض الإنجازات على الصعيد الخدمي، لا سيما العاصمة عدن، إلا أنَّ قصر عمرها وتزامنها مع كوارث السيول وتفشي فيروس كورونا، بالإضافة إلى محدودية الإيرادات المعتمدة على الضرائب وغياب السيطرة على إيرادات الجنوب النفطية الضخمة لم تسمح لتلك التجربة بالازدهار بالشكل المطلوب، فضلاً عن إشكالات تحصيل هذه الإيرادات غير الكافية بالأصل.


واليوم، بعد مرور عامين ونصف، وتغير كثير من المعطيات السياسية والعسكرية والظروف التي رافقت الإدارة الذاتية سابقاً، تبرز التساؤلات حول مدى إمكانية لجوء المجلس الانتقالي الجنوبي للخطوة مجددا حتَّى في ظل مشاركته في المجلس الرئاسي الذي يدير البلاد رسمياً منذ أبريل الماضي، لا سيَّما مع التعقيدات والتوترات التي شابت عمل المجلس، الذي شكلته السعودية والإمارات، مؤخراً.


وبيد أنَّها تبدو خطوة بعيدة وغير محتملة، إلا أنَّ استخدامها كورقة ضغط مجدداً ليس مستبعداً في ظل المؤشرات والتلميحات الصادرة من قلب صناعة القرار في المجلس الانتقالي الجنوبي الذي بات يسيطر على أجزاء واسعة من جنوب اليمن بما فيها محافظة شبوة، ويملك حضوراً وامتداداً قوياً في محافظة حضرموت [الساحل].


المؤشرات


في 9 نوفمبر الماضي، التقى عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي ناصر الخبجي مدير عام الوحدة التنفيذية للضرائب في العاصمة عدن. وفقاً لإعلام المجلس، ناقش المسؤول الجنوبي معه إشكالات وعراقيل تحصيل الضرائب من كبار المكلفين خلال فترة الإدارة الذاتية. [2]


شدَّد المسؤول البارز الذي قاد فريق المفاوضات الخاص بالانتقالي في اتفاق الرياض، على أهميّة الاستفادة والتقييم للتجربة السابقة، وتجاوز المعوقات والصعوبات التي رافقتها، وضرورة الاستعداد تحسباً لأي متغيرات سياسية قادمة. 


جاء هذا اللقاء بعد يومين فقط من لقاء تلفزيوني للخبجي اتهم فيه رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك بأنَّه "المعطل الأول لاتفاق الرياض." كما أشار إلى ضرورة تقليص أعضاء المجلس الرئاسي وقال إنَّ عضو المجلس سلطان العرادة يرفض توريد إيرادات محافظة مأرب – التي لا زال محافظا لها – للبنك المركزي بعدن، كما يرفض تعيين محافظ آخر بدلاً عنه. [3]


عكست تصريحات الخبجي حالة من انسداد الأفق داخل المجلس الرئاسي مع تكاثف التباينات والخلافات والاحتقانات لمستوى استدعى لم شمل أعضاء المجلس في الرياض السعودية في 28 سبتمبر الماضي، ثم أبوظبي الإماراتية مطلع ديسمبر الجاري. في تلك الأثناء، بدا التلويح بالإدارة الذاتية مجدداً كخطوة محتملة من الانتقالي.


تفعيل جديد؟


بالنسبة لنائب رئيس الدائرة الإعلامية بالمجلس الانتقالي الجنوبي، منصور صالح، "لا يمكن الحديث عن خيارات مُحدَّدة في الوقت الراهن."


وقال صالح لـ "سوث24": "نستطيع القول إنَّ خيارات المجلس مفتوحة، بما يحافظ على المكتسبات المٌحققة ويحمي شعبنا وقواتنا المسلحة وانتصاراتها مما يستهدفها من حروب التجويع والحصار والتدمير الممنهج. إنَّها حروب طالت واستفحلت، ولم يعد السكوت عنها ممكناً".


ويعتقد المحلل السياسي صلاح السقلدي أنَّ المجلس الانتقالي إذا لجأ لخطوة الإدارة الذاتية مجدداً فإن ذلك سيكون بمثابة "القشّة التي ستقصم ظهر المجلس الرئاسي." ورغم ذلك رأى "أنّ مثل هذا السيناريو سيكون أقل وطأة على الانتقالي، قياساً باستمراره في مشاركة صنع الوضع المأساوي."


واعتبر السقلدي أنَّ "إعلان الانتقالي فرض الإدارة الذاتية مُجدّداً سيعيد للمجلس شعبيّته التي تآكلت منذ قراره المثير للجدل والغرابة، بمشاركته بحكومة فاشلة تُهيمن عليها القوى العميقة التي ظلّ الجنوبيون بمن فيهم الانتقالي يصفونها بقوى الاحتلال والنهب"، حدَّ تعبيره.


وأردف السقلدي: "الوضع أصبح بحاجة لاتخاذ قرارات مصيرية قاسية وشجاعة، بدلاً من التماهي، وبدلًا من الاستمرار بتلقي الإملاءات الجائرة من التحالف".


وعلى خلاف ذلك، قال منصور صالح: "المجلس الانتقالي يبذل جهوداً كبيرة، في سبيل إنجاح عمل مجلس القيادة الرئاسي، وإجراء الإصلاحات المطلوبة في مختلف المؤسسات الحكومية بما يحقق المضي بجديّة نحو تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في اتفاق ومشاورات الرياض؛ رغم ما نلمسه من عدم مصداقية".


وأضاف: "ما زالت بعض أطراف الرئاسي اليمني تسير على نهج السلطات السابقة، وتحاول التنصل عمّا يتم الاتفاق عليه".


وعن ملاءمة الظروف الحالية لأي خطوة قد يقوم بها المجلس الانتقالي، قال المسؤول بالمجلس: "الحديث عن الظروف مرتبط بإرادة شعبنا وحكمة قيادته التي تصنع الظروف وتطوّعها لما فيه مصلحة. لطالما انتصر شعبنا وتجاوز ظروفا أشدّ صعوبة وتعقيداً مما هي عليه الآن."


وأضاف: "المجلس حريص على أن تكون المرحلة المقبلة أكثر جديّة في العمل على تحسين مستوى معيشة شعب الجنوب، ووقف العبث الحاصل الذي تبدو تأثيراته السلبية على مختلف المجالات."


قرار الإلغاء


وبالعودة إلى العام 2021، يرى السقلدي أنَّ قرار إلغاء الإدارة الذاتية من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي، حينها كان خاطئاً. 


وقال المحلل السياسي: "وفقاً لبعض المُعطيات، مثل: الأوضاع التي وصل إليها الاقتصاد، والحالة المعيشية الصعبة التي يُعاني منها المواطنون في عدن وبقيّة محافظات الجنوب؛ فإنّ قرار إلغاء الإدارة الذاتية كان خاطئاً." وأضاف: "صفقة إلغاء الإدارة الذاتية تمّت دون مقابل أو ضمانات حقيقية."


ولكن يبدو أنَّ وضع الإدارة الذاتية آنذاك لم يكن في حالته المثلى بالنسبة للانتقالي، مع تكاثف الإشكالات، لا سيما الاقتصادية منها، فضلاً عن حاجة المجلس لموازنة العلاقات مع التحالف بقيادة السعودية واتفاق الرياض الذي مثّل خارطة طريق من غير الآمن الخروج عنها.


ومن وجهة نظر أستاذ الاقتصاد أحمد باوزير "لم يُقدّر المجلس الانتقالي الجنوبي الأمور بالشكل المطلوب في فترة الإدارة الذاتية؛ رغم أنّ الظروف السياسية التي خلقها المجلس كانت موفّقة."


وقال باوزير لـ "سوث24": "لو أنَّ المجلس فقط أجرى بعض التنسيقات مع القيادات التي كانت مواقفها تميل للطرف الآخر آنذاك لضمان موقفها عند التنفيذ، لاستطاع إنجاح قرار الإدارة الذاتية بسهولة". 


وأضاف: "ليس منطقياً أن يقرر كيان جنوبي بحجم الانتقالي خطوة جريئة دون دراسة أبعادها السياسية والاقتصادية. الإدارة الذاتية كفكرة تُعتبر ناجحة، لكن من دون موارد وخطط وأبعاد فهي غير موفقة مُطلقا، وما حدث من إلغاء كان مُتوقّعاً".


وتجدر الإشارة إلى أنَّ محافظ حضرموت آنذاك، فرج البحسني [عضو المجلس الرئاسي حالياً] كان قد أعلن رفضه لقرار الإدارة الذاتية.


استمرار الظروف


حتّى مع تخلّي المجلس الانتقالي الجنوبي عن قرار الإدارة الذاتية، ومشاركته في المجلس الرئاسي، لا تزال الإيرادات الرئيسية للدولة، التي يأتي معظمها من نفط الجنوب، تسير في اتجاهها الأول اليوم بعيداً عن البنك المركزي في عدن.


بالإضافة لذلك، يبدو أنَّ ما تحقق حتَّى الآن من اتفاق الرياض ومشاورات الرياض لاحقاً لا يغطي تكلفة إلغاء الإدارة الذاتية من قبل الانتقالي مع استمرار وجود القوات العسكرية الشمالية في وادي حضرموت والمهرة واستمرار التدهور الاقتصادي والخدمي والمعيشي في محافظات الجنوب.


وفي هذا الصدد، قال السقلدي: "لم يتم توريد الإيرادات للبنك المركزي في عدن كما تعهد التحالف راعي اتفاق الرياض وحلفاؤه المحليون المشاركون في الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي."


وأضاف: "كما لم يتم تنفيذ الشقّ السياسي من اتفاق الرياض بشكل كامل، وكذلك الحال مع الشقين الاقتصادي والعسكري. باستثناء عدن، ما زالت كل إيرادات المحافظات الأخرى وإيرادات النفط والغاز تذهب إلى جهات نافذة غير البنك المركزي."


ولفت السقلدي إلى أنَّ قرار الانتقالي تفعيل الإدارة الذاتية سابقاً كان "قرار الضرورة الاقتصادية والرمزية السياسية بعد سنوات من نهب الثروات"."


وأضاف: "المجلس الانتقالي الذي بات يتصدّر المشهد السياسي للقضية الجنوبية أمام الداخل والخارج، كان لزاماً عليه أن يكون حريصاً على استعادة الثروات."


ويعتقد السقلدي أنَّ الانتقالي آنذاك "حرص على توجيه رسالة سياسية مفادها أنّ الجنوب بات اليوم قادراً على صناعة القرار السياسي، ويمتلك -إلى حد ما- ناصية اتخاذ القرارات السياسية الكبيرة بحجم قرار استعادة الثروات الجنوبية، ومنها بالتحديد الموارد المالية".


خطوة استباقية 


يؤكد الخبير الاقتصادي أحمد باوزير أنَّ خطوة السيطرة على الإيرادات النفطية في جنوب اليمن يجب أن تسبق أي قرار سياسي قد يقدم عليه المجلس الانتقالي الجنوبي.


وقال باوزير: "إخراج المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت سيضمن للمجلس الانتقالي، إلى حدّ كبير، السيطرة على أهم مورد تعتمد عليه الحكومة في تسيير شؤونها ونفقاتها الشخصية."


وأضاف: "كما أنّ هذه الإيرادات إلى جانب إيرادات محافظات الجنوب الأخرى ستُمكّن المجلس من تدبير شؤون الجنوب وشعبه." 


وحتَّى الآن، يبدو أنَّ اللجوء لخطوة الإدارة الذاتية من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي، أو الإقدام على خطوات أخرى مشابهة، مرتبط بشكل كبير بسرعة تنفيذ بقية بنود اتفاق الرياض وكذلك ما تحدد في مشاورات الرياض، بالإضافة لسرعة إيجاد رؤية متوافقة للقضايا الخلافية داخل المجلس الرئاسي.


وحتى ذلك الحين، وبالإضافة إلى التهديدات الخطيرة التي باتت تشكلها هجمات الحوثيين الجوية على منشآت ومرافق النفط الحيوية في شبوة وحضرموت دون أي ردود عملية حاسمة من الأطراف اليمنية، تبقى  الإدارة الذاتية أو حتَّى الحكم الذاتي فكرة مطروحة على طاولة المجلس الانتقالي الجنوبي.




صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا