11-03-2022 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | ريم الفضلي
تشهد محافظة عدن، جنوب اليمن، أزمة حادة في الغاز المنزلي، منذ أسابيع، ألقت بظلالها على المواطنين الذين يعيشون أزمات متوازية أخرى في العديد من الخدمات. لقد اختفت أسطوانات الغاز من المحطات، وتضاعفت أسعارها بشكل كبير.
بدأت هذه الأزمة مع منع قواطر الغاز المخصصة لعدن ومحافظات أخرى من مغادرة محافظة مأرب، شمال اليمن، وفقاً لمذكرة رفعها مدير منشأة الغاز بعدن، مراد ناصر شيخ، للمحافظ لملس، في 6 فبراير الماضي [1].
وذكرت وسائل إعلام محلية، في 7 من ذات الشهر، أنَّ المحافظ لملس تدخل لحل مشكلة انقطاع إمدادات الغاز من مأرب، نقلاً عن مصدر مسؤول. ورغم ذلك، لا زالت أزمة الغاز المستمرة حتَّى الآن [2]. ورفعت شركة الغاز اليمنية أسعار الغاز مع نهاية الشهر.
وبحسب وكيل عدن لشؤون النفاط والغاز، "عدن اليوم تشكل أكبر سوق للغاز المنزلي في الجنوب". ويضيف رشاد شائع لـ "سوث24": "بالرغم من ذلك، لا زالت حصتها المطلوبة من الغاز دون المستوى المُفترض".
رفع سعر الغاز المنزلي
في نهاية فبراير الماضي، صدر قرار من شركة الغاز اليمنية بزيادة 1200 ريال فوق سعر أسطوانة الغاز المنزلي. [3]
جاءت هذه الزيادة السعرية في خضم أزمة الغاز المستمرة التي تشهدها عدن. وتزامن مع جرعة سعرية جديدة في سعر البنزين، أوصلت سعر اللتر منه إلى 1020 ريال يمني [4]. ضاعف هذا معاناة سكان عدن متعددة المستويات، وأثقل كاهلهم.
كفاح لأجل الغاز
في طابور طويل يمتد لعدة أمتار من كشك بيع الغاز المنزلي، في أحد حواري مديرية الشيخ عثمان بعدن، تقف السيدة جميلة حسن وابنها أحمد ذو الثامنة وأمامهم أسطوانتي غاز فارغتين. تأمل السيدة حسن أن تستطيع أن تُدرج اسم عائلتها في قائمة الدفعة القادمة من الأسطوانات إلا أنَّها ولليوم الثالث تعود هي وطفلها خالية الوفاض.
تقول السيدة حسن لـ "سوث 24": "منذ أسبوع مضى وبعد أن استنفذنا كمية الغاز الاحتياطية في البيت، نضطر أنا وعائلتي المكونة من ستة أشخاص لأن نأتي بطعامنا من المطاعم. لكم أن تتخيلوا حجم ما نخسره لشراء 3 وجبات رئيسية فقط من الخارج. نصرف الآن أضعاف ما نصرفه من قبل".
وأردفت: "نضطر في بعض الأحيان أن نتناول وجبتين فقط ويصل بنا الحال في أحيانا أخرى أن نستغني عن الوجبة الثالثة."
وصفت السيدة جميلة الحال التي تعيش مع أسرتها اليوم بـ "المزري والمخيف". واستطردت والمشقة بادية على وجهها "نعاني في عدن. الغاز والبترول والمواد الغذائية جميعها مرتفعة الأسعار. لقد رفعوا سعر الغاز وهم يعرفون أنَّ سعره السابق بالأصل كان صعباً كثيراُ علينا كمواطنين".
من أين يأتي غاز عدن؟
يتم تصدير الغاز المنزلي إلى عدن من محافظة مأرب اليمنية، وتحديداً من منشأة صافر النفطية.
وتُقدر مخصصات العاصمة عدن من إنتاج المنشأة ما يقارب 5-6 قاطرات كل يوم، تذهب الغالبية الكبرى منها إلى المحطات الخاصة بينما تحصل المحطة الحكومية الوحيدة على ما يقارب القاطرة الوحدة يوميًا، بحسب مصادر مسؤولة في السلطة المحلية لـ "سوث24".
وكيل محافظ عدن لشؤون النفط والغاز، رشاد شائع، قال لـ "سوث24" "حصة بعض المناطق في بعض المحافظات من الغاز أضعاف العاصمة عدن التي تضم عددا كبير من السكان، ناهيك عن عدد النازحين فيها من مختلف المدن اليمنية".
وعن الإجراءات الحكومية المفترضة حيال هذا، قال الوكيل، في تصريح حصري لـ "سوث24"، إنَّه "بتوجيهات من وزير النفط والمعادن، سوف يتم اعتماد 3 قاطرات إضافية إلى حصص كلا من العاصمة عدن وحضرموت وتعز، بحيث يتم توزيعها بالتناوب بمعدل حصة كل ثلاث أيام لكل مدينة".
وصف شائع هذه العملية بـ "الإيجابية". لكنَّه قال إنَّها "غير كافية أو مُنصفة لاحتياجات عدن".
الأزمة الحالية
خلال شهر يناير الفائت، دخل الى العاصمة عدن 2945 طن من الغاز المنزلي، أي 115 قاطرة، بمعدل 16 قاطرة لكل محطة في عدن، كما جاء في وثائق تحصَّل عليها "سوث24".
أطنان الغاز تلك أنتجت المحطات منها ما يعادل 253 ألف أسطوانة غاز منزلي؛ وهو ما وصفه الوكيل شائع بـ "غير الكاف لاحتياج المحافظة".
وأوضح شائع أنَّ الحصة الكافية من الغاز المنزلي للمحافظة "يجب أن تكون بمعدل قاطرة كل يوم لكل محطة من تلك المحطات. ومنها سيتم إنها الأزمات المتعلقة بهذا الشأن".
وفي حديثه عن تفاصيل الأزمة، أكَّد أنَّ أحد الأسباب في هذه الأزمة هو "الازدحام السكاني التي تشهده المدينة من سنوات". وأضاف، " الحصة الثابتة للغاز المنزلي المقررة لعدن سبَّبت لنا العديد من المشاكل، وخلقت أزمات متلاحقة من فترة الى أخرى."
ومن جهته يعتقد الصحفي المهتم بالشأن الاقتصادي، ماجد الداعري، أنَّ أزمة الغاز في عدن سياسية.
وقال الداعري لـ "سوث24": "إنَّ أزمة الغاز عقاب سياسي مُسلط على الجنوبيين ضمن أدوات تجويعهم السياسي ومحاولة تركيعهم وإثارة غضبهم وامتعاضهم ضد السلطات المحلية الحاكمة".
وأضاف: "هناك سببان لهذه الأزمة، الأول نكاية بالمجلس الانتقالي الجنوبي من قبل خصومه وأعداءه في حزب الإصلاح المهيمن على قرار الشرعية اليمنية. والثاني نتاج لفشل الحكومة والأزمات الاقتصادية التي تطحن البلد."
تهريب وسطو
كانت مشكلة تهريب الغاز المنزلي من منشأة صافر الى عدن قد زادت بصورة كبيرة خلال سنوات ما بعد الحرب، مما أدَّى الى تفاقم العديد من الأزمات المرتبطة بتزويد المدينة بالغاز المنزلي.
مصدر رفيع في السلطة المحلية في عدن أكد لـ "سوث24" أنّ "عدد قاطرات الغاز المنزلي التي يتم تهريبها من داخل صافر الى عدن أكبر بكثير من تلك المُصرَّح بها".
وكشف المصدر أنَّ "عملية البيع تلك لهذه القاطرات المُهربة تتم في منطقة حسان بمحافظة أبين؛ حيث يقوم المهربون ببيع هذه الكميات الى المشترين الذين بدورهم يقومون ببيعها لملاك المحطات في العاصمة عدن."
وعن هذا، قال الوكيل شائع: "السلطة المحلية في عدن تعاني من عمليات التهريب هذه منذ ما بعد الحرب الأخيرة التي شهدتها المدينة".
وأضاف، "عملية التسريب من الحصة الرسمية لغاز عدن حاصلة فعلا منذ مدة. تلك الحصة المسربة تذهب نصفها إلى المطاعم المنتشرة في المحافظة وكذلك إلى المحطات الصغيرة [الترمبات] التي تزود السيارات والموتورات".
وتابع: "إن القاطرة الواحدة المسربة من مخزون عدن الرسمي التي تحمل 25 طن من الغاز - على سبيل المثال - تنتج 2150 ألف أسطوانة غاز. يقوم المهرب ببيع هذه الكمية بسعر مضاعف عن سعرها الأصلي يصل إلى 40 مليون، في السوق السوداء".
وعن الإجراءات التي وضعتها السلطات لمواجهة كل هذه، قال شائع: "السلطة المحلية وضعت خطة للحد من هذه العملية من داخل منشأة صافر نفسها. لقد طالبنا إدارة المنشأة برفد مكتب عدن بكشوفات عن عدد القاطرات التي تخرج منها حاملة حصة عدن".
خطر كبير
محطات الغاز الصغيرة "الترمبات"، التي تحتوي بعضها على خزانات بسعة 10 ألف لتر، تشكل خطراً كبير ومحدقاً على السكان المتواجدين في محيطها. وعلى مدار السنوات الماضية قدَّم العديد من المواطنين شكاوى عديدة بخصوصها.
لقد أُغلقت بعض هذه المحطات، وتم نقلها الى مناطق تبعد عن المناطق السكنية، ألا أنَّ البعض الآخر لا يزال يشكل خطراً حقيقياً.
وبهذا الخصوص، قال الوكيل شائع: "حاولنا وضع آلية بخصوص هذه المعضلة وقد أغلقنا بالفعل بعض هذه المحطات. جميع تلك المحطات غير مرخصة وقد تم افتتاحها في فترة ما بعد الحرب باستغلال الانفلات التي عاشته عدن آنذاك".
وتابع: "وضعنا شروط للمالكين. وأجبرناهم على الحصول على تراخيص للعمل، وفتح محطاتهم في مناطق لا تضر بسلامة المواطنين. أمرناهم بالابتعاد عن محطات البترول، وكذلك المناطق المُمتلئة بالسكان."
وأشار الى أن مكتب النفط والغاز بعدن وضع مندوباً في كل محطة تابعة لمديريات عدن كافة.
وقال: "عندما يصل الغاز الى المحطات، يوقع المندوب على استلام القاطرات وتفريغها داخل المحطة ويتم بعدها إرسال وثيقة المندوب الى مكتب المحافظة وبعدها يتم مقارنتها بالكشوفات الواصلة الى مأرب".
وكلاء يفاقمون الأزمة
تفاقم المطاعم من أزمة الغاز المنزلي في عدن. عدد كبير من الأسطوانات المخصصة للمواطنين يبيعها الوكلاء بطريقة غير قانونية لبعض المطاعم بأسعار مضاعفة، وفقاً لوكيل عدن لشؤون النفط والغاز، رشاد شائع.
وقال شائع: "الوكيل الذي يتم إعطاءه على سبيل المثال 100 أسطوانة يقوم ببيع 50 أسطوانة في السوق السوداء للمطاعم. وبدلاً من أن يقوم ببيعها بسعر 6 ألف ريال للمواطن، يبيعها لملاك المطاعم بـ 18 ألف ريال."
وللحد من هذا، قال الوكيل إن المكتب أيضا "وضع خطة من خلال إلزام المحطات بوضع صبغة خاصة باللون البرتقالي للحصة المتوجهة لكافة المطاعم في المدينة". وأضاف، "لقد بدأنا بالفعل بتنفيذ هذه العملية الأسبوع الماضي في عدد من المديريات، وبهذا الأسبوع ستُنفذ في باقي المديريات."
وفي سؤال "سوث24" له عن مستقبل هذه الإجراءات وما مدى نجاحها وإمكانية استمرارها حتى يتم القضاء بشكل تام على كل هذه التجاوزات، قال شائع: "في هذه العملية تم إشراك كافة الجهات المعنية في الأمن وكذلك اللجان مجتمعية."
وأشار إلى أنَّهم نظموا "طريقة استلام المواطن نفسه لكمية الغاز المخصصة لكل منزل. حيث يتم إعطاء كل شخص البطاقة الخاصة فيه المدرجة في كشوفات يتم رفعها من اللجان المجتمعية إلى مسؤول [مأمور] الحارة؛ وبعدها الى مكتب المديرية نفسها"
ولفت شائع إلى أنَّ " الأمور بدأت بالاستقرار النسبي، ونحن بالمحافظة نتابعها لحظة بلحظة."
توقف إمدادات الغاز من مأرب
يهدد الحوثيون المدعومون من إيران إمدادات الغاز لعدن وبقية محافظات جنوب اليمن باستمرار زحفهم نحو حقول الغاز في مأرب. لقد بدأت الجماعة حملة عسكرية واسعة النطاق منذ فبراير 2021، وسيطرت على مناطق شاسعة في المحافظة، واقتربت من مدينة مأرب، المعقل الأخير للحكومة اليمنية في شمال اليمن.
من غير المتوقع أن تستمر الإمدادات الحالية من "صافر" بنفس المستوى بعد السيطرة عليها من قبلهم، حيث يُرجح أنَّ الحوثيين سيستعملون الغاز كسلاح ضدَّ خصومهم في جنوب اليمن، لا سيَّما المجلس الانتقالي الجنوبي. في حال تمَّ ذلك، سوف تتجه الأنظار إلى شبوة في الجنوب، المحافظة الغنية بالغاز والبديل المتوقع لمأرب.
ولكنَّ منشأة بلحاف الغازية بالمحافظة متوقفة. بالنسبة لماجد الداعري، "فرض التحالف العربي قيود تصدير واستيراد على منشأة بلحاف بسبب تخوفه من أنّ إعادة تشغيلها لصالح الشرعية اليمنية سيعني مزيداُ من الموارد لحزب الإصلاح المسيطر على الشرعية لتنفيذ أجندته السياسية الخاصة".
لكن الخبير السياسي والاقتصادي قال أيضاً إنَّ ذلك يأتي " ضمن أدوات التحالف لإبقاء الجميع بحاجة إليه ومساعداته"، على حد تعبيره.
صحفية ومحررة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
الصورة: افتتاح محطة بئر أحمد للغاز المنزلي في عدن 26 أكتوبر 2020 (إعلام محلي)
قبل 3 أشهر