09-03-2022 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | يعقوب السفياني
أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، الاثنين، عن بدء "مشاورات ثنائية بين الأطراف اليمنية"، في العاصمة الأردنية عمَّان. قال الدبلوماسي السويدي إنَّ من شأنها أن تُثري تطوير إطار العمل الخاص به الذي سيحدد عملية جامعة لإحراز تقدم نحو التوصل إلى تسوية سياسية.
وتعتبر هذه المشاورات الأولى من نوعها منذ تسلم غروندبرغ مهامه رسمياً كمبعوث لليمن مطلع سبتمبر الماضي؛ خلفاً للبريطاني مارتن غريفيث. ورحبت بها السفارة الأمريكية في اليمن. كما أعربت عن أملها في أن تتيح فرصة للأطراف اليمنية للوصول لحل سياسي مستدام يوقف الحرب.
لم يتفاءل كثيرون بهذه المشاورات، نظراً للسيرة الحافلة بالإخفاق التي لازمت جهود مبعوثي الأمم المتحدة الثلاثة قبل غروندبرغ، فيما اعتبر آخرون أنَّه من الممُكن أن تُحرك هذه المشاورات المياه الراكدة وتدفع لجمع الفرقاء على طاولة المفاوضات، خصوصاً مع انفتاحها واستيعابها أطراف جديدة.
المشاورات
بحسب إعلان الأمم المتحدة، سيعقد غروندبرغ اجتماعات ثنائية مع " قادة من حزب المؤتمر الشعبي العام؛ ووفود من حزب الإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الناصري "خلال الأسبوع الأول من المشاورات.
وأوضح الإعلان أنَّه "سيتم التشاور مع أكثر من 100 يمني ويمنية من الأحزاب السياسية وقطاعي الأمن والاقتصاد ومنظمات المجتمع خلال الأسابيع القادمة".
وأضاف الإعلان، "كما سيتابع المبعوث الخاص مشاوراته مع الحكومة اليمنية وأنصار الله [الحوثيين]، فضلاً عن المشاورات مع المعنيين الإقليميين والدوليين. كما سيتم بذل الجهود للتشاور مع الجمهور اليمني الأوسع، بما في ذلك الشباب، للتأكد من أن إطار العمل يعكس احتياجات وتطلعات اليمنيين".
وعن الأهداف من هذه المشاورات، قال البيان: "ستركز هذه المشاورات على تحديد الأولويات العاجلة وطويلة الأجل للمسارات السياسية والأمنية والاقتصادية". وقال إنّه "سيُثري تطوير إطار العمل الخاص بالمبعوث الأممي الذي سيحدد عملية جامعة متعددة المسارات تتعامل مع الاحتياجات العاجلة والقضايا طويلة الأجل المطلوبة لإحراز تقدم نحو التوصل إلى تسوية سياسية".
ووفقاً لمصادر لـ "سوث24"، سيشارك المجلس الانتقالي الجنوبي أيضاً في هذه المشاورات خلال الأسبوع الثاني منها. ولم يعلَّق الحوثيون في شمال اليمن على هذه المشاورات حتَى الآن.
واجتمع غروندبرغ، الثلاثاء، مع ممثلين من حزب "الإصلاح" الإسلامي في عمَّان. وطبقاً للموقع الرسمي لـ "الإصلاح"[1]، بحثت قيادة الحزب مع المبعوث الأممي " أسس إحلال السلام"، وأكَّدت على "المرجعيات الثلاث". كما اجتمع، الأربعاء، مع ممثلين عن الحزب الاشتراكي اليمني.
وحول هذه المشاورات، قال المحلل السياسي صلاح السقلدي، لـ "سوث24": "إذا كان هناك من شيء بالأمر لافت فهو استئناف المبعوث الأممي للمشاورات مع القوى اليمنية بعد فترة من التوقف".
وأضاف السقلدي، "أما المشاورات ذاتها فلم نر أو نسمع جديداً، على الأقل حتَّى الآن". وتابع، "سبق أن قال المبعوثون قبل غروندبرغ نفس التصريحات، وخاضوا جولات عدَّة من المشاورات مع كل القوى تقريباً. لكن لم تفض إلى أمر هام. لقد كان الفشل سمتها البارزة".
وأرجع السقلدي أسباب الفشل إلى أنَّ "بعض أطراف الصراع كانت تظن أنَّها بمقدورها حسم الأمور عسكرياً، خصوصاً في السنوات الأولى من الحرب".
تعطيل اتفاق الرياض
أما الصحفي والباحث السياسي نبيل الصوفي، فيرى أنَّ الإعلان عن هذه المشاورات يأتي لإحداث "تواز مع الأخبار التي تتحدث عن مؤتمر الرياض2 بشأن اتفاق الرياض، والمفاوضات حول تغيير مجلس الرئاسة اليمني".
وقال الصوفي لـ "سوث24": الأمر مشابه لما كان يحدث مع مباحثات اتفاق الرياض عندما كان مارتن غريفيث مبعوثاً قبل غروندبرغ. لقد ظلَّ غريفيث يلاحق تعطيل اتفاق الرياض. الأمم المتحدة تخشى من حصول حركة محلية تسحب البساط من تحتها".
وتابع، "من المُفترض أن تدعم الأمم المتحدة أي حلول جزئية، لأنَّ الحلول الجزئية في النهاية ستأتي بحلول أخرى. هذا ما أرى أنَّه يحدث، إنَّه تحرك مواز من الأمم المتحدة مع كل ما يتم تناقله حول خطوات وتغييرات قادمة".
مشاركة الانتقالي
أكَّد نائب رئيس الدائرة الإعلامية بالمجلس الانتقالي الجنوبي، منصور صالح، تلقيهم دعوة من المبعوث الأممي للمشاركة في مشاورات عمَّان.
وقال صالح لـ "سوث24": "نعم وجهت دعوة للمجلس من قبل السيد غروندبرغ. بكل تأكيد، المجلس سوف يلبيها من منطلق التزامه وحرصه على إنجاح أي جهد للوصول إلى عملية سلام شاملة". وأضاف، "وهذا يتناغم مع موقف المجلس الذي سبَق أن عبر عنه في مناسبات عديدة".
وتعتبر هذه المشاركة للطرف الأقوى في جنوب اليمن هي الأولى من نوعها. وكان غروندبرغ قد التقى مراراً بقادة المجلس منذ تعيينه، وزار عدن مرتين في أكتوبر ونوفمبر الماضيين. وأكَّد قادة الانتقالي بشكل مستمر على ضرورة إشراكهم في مفاوضات الحل السياسي، دون شروط مسبقة.
وحول هذا، اعتبر نبيل الصوفي أنَّ مشاركة الانتقالي في مشاورات عمَّان "ستتيح على الأقل للأمم المتحدة سماع صوت جديد مختلف لديه حضور على الواقع". وأضاف "الشرعية مفككة ولم يعد لها وجود أو دور في الداخل، وهي عبارة عن مجموعة موظفين في الخارج".
وأشار الصوفي إلى أنَّ هذه المشاورات قد تسهم في إخراج القضية الجنوبية "من الصراع المحلي إلى نقطة مفاوضات".
لكنَّ الباحث السياسي قال إنَّه لا يوجد لديه "تفاؤل" تجاه هذه المشاورات أو غيرها من المباحثات الدولية. ولفت إلى أنَّ المنظمات الدولية "لم يحدث أن أحدثت أي اختراق في الأزمة منذ 2011 وحتَّى اليوم".
ويعتقد المحلل السياسي، صلاح السقلدي، أنَّ مشاركة الانتقالي في هذه المشاورات "يجب أن تكون استشرافية فقط".
وقال السقلدي: "يجب ألَّا يقبل الانتقالي في مشاورات الحل النهائي للأزمة أن يكون مجرد كيان وكمالة فوق عدد لطاولة؛ بل ممثلاً للطرف الجنوبي نظيراً للطرف الشمالي".
المرجعيات الثلاث
أكَّد قادة حزب الإصلاح اليمني، في اجتماعهم مع غروندبرغ في ثاني أيام مشاورات عمَّان، على ضرورة استناد أي مفاوضات للحل السياسي على المبادرات الثلاث [المبادرة الخليجية، الحوار الوطني، القرار 2216].
كما أكَّد الحزب أيضاً على أنَّ "إجراءات التفاوض للحل النهائي حين التوصل إليه ينبغي أن يكون بين طرفين؛ الحكومة الشرعية كطرف شرعي، ومليشيا الحوثي كطرف انقلابي".
وحول المرجعيات الثلاث التي يصر عليها "الإصلاح"، قال منصور صالح: "هذه المرجعيات وما يشابهها لا تعني الجنوب في شيء، وليس بمقدورها أنَّ تُقدَّم للجنوبيين حلولاً لقضيتهم السياسية".
وأضاف القيادي في المجلس الانتقالي: "إنَّ أي حديث عن التمسك بها هو طرح للاستفزاز فقط هدفه إفشال أي عملية سلام قبل أن تبدأ. مثل هذه المرجعيات التي يبالغ البعض في ترديدها هي مشكلة بحد ذاتها وليست حلاً، وهكذا ننظر إليها".
وأشار صالح إلى أنَّ منطلقات المجلس الانتقالي في المشاركة بأي مشاورات أو مفاوضات هي "التمثيل العادل والحقيقي للجنوب في أي عملية سلام. موقف المجلس واضح بأنَّه لن ينخرط بأي عملية سلام لم يشارك في تصميم إطارها ولا تحفظ له وللجنوب مشاركة فاعلة تلبي أهداف وتطلعات الجنوبيين".
ولفت إلى أنَّ الانتقالي "يبحث عن سلام حقيقي وعادل". وشدَّد على أنَّ ذلك "لن يتحقَّق إلا عبر عملية سياسية يشارك بها الجميع، وفي مقدمتهم المجلس الانتقالي، في تصميم ورسم إطارها".
وحمَّل صلاح السقلدي هذه المرجعيات مسؤولية "الفشل المستمر" للجهود الأممية في التوصل لحل سياسي للأزمة حتَّى الآن.
وقال السقلدي: "لقد تمسكت بعض القوى، بالذات داخل الأحزاب، وقوى حرب 1994 والفئة النفعية المحيطة بالرئيس اليمني هادي باشتراطات قديمة انتهى عمرها السياسي، وطوتها الحرب وتجاوزها واقع ووقائع اليوم"، حدَّ تعبيره.
وأضاف، "بالتالي فإنَّ نجاح مشاورات عمَّان وما سيتبعها من مشاورات الحل النهائي مرهون بمشاورات تُجرى فوق طاولة مستديرة تقر فيها كل هذه القوى بأنَّ الحل يجب أن يستند على المتغيرات الموجودة اليوم على الأرض، وليس إلى مرجعيات وثوابت وخطوط حُمر مزعومة انتهى عمرها السياسي الافتراضي قبل سنوات".
وأكد السقلدي على ضرورة جعل القضية الجنوبية "نقطة رئيسية فوق طاولة النقاش". وأشار إلى أنَّ حل هذه القضية يستند على ثنائية الشمال والجنوب كونَّها تخلَّقت من رحم فشل المشروع الوحدوي بين دولتين".
كما اعتبر أنَّه "يجب عدم اختزال أطراف الصراع والحرب بالسلطة المُسماة الشرعية والحوثيين، بل بكل القوى الفاعلة على الأرض، وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي".
وتجدر الإشارة إلى أنَّ غروندبرغ كان قد أظهر، منذ تعيينه، نوعاً من التفهم لواقعية الخارطة السياسية والعسكرية في اليمن، ودعا لمفاوضات عاجلة بين أطراف الأزمة "دون شروط مسبقة" [2]. واختلف هذا التوجه إلى حد ما عن سابقيه من المبعوثين، حيث ظلَّت جهودهم تدور في دائرة مفرغة من الحوثيين و"الشرعية" اليمنية.
رئيس مكتب مركز سوث24 للأخبار والدراسات في عدن
-الصورة: المبعوث الأممي يعلن بدء مشاوات عمَّان 7 مارس 2022 (رسمي)
قبل 3 أشهر