07-02-2020 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن
خلال أعوام قليلة نجح محمد إمام في تقديم نفسه كنجم تحقق أفلامه الملايين، يمكن أن نقول أن البداية الحقيقية كانت مع "كابتن مصر" عام 2015، والذي نجح فيه بمساعدة فريق كامل من الممثلين الكوميديين بقيادة المخرج معتزالتوني في تقديم عمل كوميدي جيد، مما دفعه إلى تكرار التجربة في العام التالي مع نفس الممثلين تقريبًا ومع معتز التوني أيضًا من خلال "جحيم في الهند"، ليحقق الفيلم أعلى إيرادات في موسم عيد الفطر 2016.
العنصر الجديد الأبرز الذي دخل على "جحيم في الهند" هو الأكشن، ويبدو أن إمام قرر أن يكون هذا هو النوع الذي سيكمل خلاله مسيرته في الأفلام التالية، هكذا قدم "ليلة هنا وسرور" عام 2018 من إخراج حسين المنبّاوي، والذي زاد فيه الأكشن وإن لم تغب الكوميديا، في فيلم حقق نجاحًا جماهيريًا جيدًا، وإن لم يكن مُقنعًا على المستوى الفني، عكس سابقيه.
والآن يعود إمام لتكرار نفس النوع تقريبًا، الأكشن مع الكوميديا في فيلمه الأحدث "لص بغداد" من تأليف تامر إبراهيم، وإخراج أحمد خالد موسى. لكن من "كابتن مصر" إلى "لص بغداد" تغيرت الكثير من الأمور.
رتب الجمل التالية
تدور أحداث الفيلم عن مجموعة من لصوص الآثار المحترفين الذين يحاولون الوصول إلى مجموعة من المفاتيح المخبأة في قطع أثرية منتشرة حول العالم، والتي تشكل معًا مفتاحًا إلى مقبرة الإسكندر الأكبر.
نتعرف في البداية على يوسف الراوي (محمد إمام) سارق الآثار الشاب الذي يحاول الحصول على قطعة أثرية في كينيا لكنه يواجه الكثير من الصعوبات. لاحقًا نتعرف على بقية الشخصيات فلدينا خالد (فتحي عبد الوهاب) في طرف آخر يسعى للآثار، ونادية ياكوف (أمينة خليل) المصرية الروسية وهي الطرف الثالث والأكثر خطورة نظرًا لأنها تملك الكثير من الرجال الذين يعملون تحت إمرتها.
للوهلة الأولى تبدو فكرة الفيلم جيدة وتسمح بصناعة فيلم مغامرات مسلٍ بالفعل، بل والتأسيس لشخصية يمكن أن تقوم عليها سلسلة أفلام، لكن سرعان ما نكتشف الكثير من الفجوات في حبكة الفيلم والتي تجعل الفكرة الواعدة تتراجع.
أول هذه الفجوات وأكثرها صعوبة في التقبل هي غياب المنطق عن الكثير من تفاصيل الحبكة. في تتابعات البداية نجد فتحي عبد الوهاب يلبس مثل أفراد القبائل الأفريقية ويتحدث لغتهم بل ويتقلد منصبًا مهمًا في القبيلة يتيح له إصدار الأوامر بقتل يوسف. هل تسمح طبيعة الفيلم الكوميدية بأن نجد شخصًا في هذا المكان دون أي منطق أو توضيح لكيفية وصوله إلى هذه المكانة وكيفية إجادة التحدث بهذه اللهجة شديدة الصعوبة؟ بالتأكيد لا، لكن سيناريو الفيلم لا يبذل أي مجهود لتعريفنا بالطريقة التي وصل بها خالد إلى هذا المكان.
قرب نهاية الفيلم نكتشف أن خالد هو أخو يوسف، وهي التفصيلة التي لم تقدم أي إضافة للأحداث، لكن المخرج يقدم لنا عدة مشاهد فلاش باك من الفيلم، لخالد وهو يمنح يوسف طوق النجاة أكثر من مرة لجعل المشهد مؤثرًا، لكنه -لسبب غير معلوم- يتجاهل مشاهد البداية التي يأمر فيها خالد بقتل يوسف ويتركه تحت مرمى النيران. سنحاول ابتلاع هذا ولننتقل إلى المفاتيح التي يحاول اللصوص الحصول عليها.
لن نفهم أبدًا تسلسل المفاتيح، فالمفتاح الأول يقود إلى الثاني من خلال العبارات اليونانية المكتوبة عليه، والثاني يقود إلى الثالث، بينما المفتاحين الثالث والرابع يقودان إلى مكان المقبرة، وكأن الإسكندر الأكبر كان يعلم أن الذي سيبحث عن المفاتيح سيكون بذكاء يوسف، وسيصل إلى المفتاح الرابع باستخدام ذكائه دون الحاجة إلى إرشاد.
ولا يذهب خيالك بعيدًا عزيزي القارئ فتعتقد أن المفاتيح سترسم إحداثيات أو خريطة، المفاتيح كُتب عليها معبد واحة سيوة، فقط بهذه السهولة، لنجد الشخصيات تذهب إلى المعبد المكشوف والواضح تمامًا وتجد بابًا في أحد الممرات فتضع المفتاح وتدخل إلى الطريق المؤدي للمقبرة، وكأن المقبرة إذا كانت واضحة بهذا الشكل للجميع فإن علماء الآثار والباحثين سيستعصي عليهم فتحها فقط لأنهم لا يملكون المفتاح المناسب.
هذه السهولة في الوصول إلى المفاتيح والاستنتاجات مستمرة طوال الفيلم، أطرفها، بجانب فتح المقبرة في النهاية، هي طريقة الحصول على المفتاح الرابع، تذكر سلمى باحثة التاريخ (ياسمين رئيس) أن الإسكندر قد يكون خبأ مفتاحه الرابع في درعه الذي غرق في اليونان فيذهب يوسف إلى مكان ما في البحر ويجد المفتاح بمنتهى السهولة.
تفصيلة أخيرة، يبرز فيها مدى لامنطقية الأحداث في الفيلم، هي أن الشخصيات كانت تلتقي ببعضها في دول مختلفة بسهولة وكأنهم يسكنون في شارع واحد، ويتفرقون أيضًا بنفس السهولة. نعود إلى مشاهد البحر الغريبة، إذ تصل نادية أيضًا إلى نفس النقطة التي فيها يوسف، رغم عدم وجود أي خرائط كما ذكرنا لكن يبدو أن درع الإسكندر له مكان معروف في البحر، وتقبض على يوسف وسلمى، لكنها لا تكلف نفسها عناء البحث عن مساعده مجدي (محمد عبد الرحمن)، حتى يصل هذا الأخير في الوقت المناسب لإنقاذهما بمنتهى السهولة، وهذا الاستسهال مستمر في أغلب مشاهد الفيلم.
بالمناسبة ولسبب غير معلوم أيضًا تصر الشخصيات في الفيلم، بما في ذلك دارسة التاريخ سلمى، على التعامل مع الحروف اليونانية على أنها لاتينية.
ألعاب وأفلام
شخصية عالِم الآثار المغامر أو لص الآثار قُدمت عدة مرات في السينما الأمريكية وفي ألعاب الفيديو أيضًا، وحقق أغلبها الكثير من النجاح. في السينما لدينا شخصية إنديانا جونز التي قدمها هاريسون فورد في أربعة أفلام من إخراج ستيفن سبيلبرج، وفي الألعاب لدينا شخصيتا لارا كرافت التي يعرفها عشاق الألعاب والسينما أيضًا من خلال سلسلة "Tomb Raider" (سارقة القبور)، وناثان دريك في سلسلة "Uncharted" (المجهول)، وتصميم هذه الشخصية الأخيرة وملابسها جاءت شديدة الشبه بملابس شخصية يوسف.
منذ البداية يوجد عَقد غير معلن بين اللاعب وصناع اللعبة على نوع اللعبة، هل هي لعبة ألغاز أم إطلاق نار أم مغامرة، ولكل نوع من هذه الألعاب قواعدها، كما في الأنواع السينمائية، لكن هناك تفاصيل شديدة الأهمية في الاختلاف بين الألعاب والسينما. أولها أن اللاعب قد يتغاضى في بعض الأحيان عن منطقية الأحداث من أجل الاستمتاع بساعات لعب إضافية، هكذا في ألعاب المغامرة المذكورة، لا يشغل اللاعب باله بكيفية سفر الشخصيات من مكان لآخر بسهولة، أو صدف تلاقيها في نفس المكان، أو حتى بسهولة وصول الشخصية إلى المعلومات واستنتاجها. في لعبة "Uncharted" يحمل ناثان كتيب صغير دون فيه الكثير من الملاحظات التي تمكنه من حل الألغاز التي يواجهها، لا نحتاج إلى معرفة كيف جمع هذه المعلومات بهذه الدقة، أو لماذا يضم هذا الكتيب المعلومات التي يحتاج إليها تحديدًا دون غيرها، المهم أن نستمتع باللعب والألغاز الموجودة، لكن الأمر يختلف تمامًا في السينما.
في أحد الأفلام الشهيرة التي قدمت أيضًا شخصية عالم الآثار المغامر، فيلم "National Treasure" (الكنز القومي)، نجد البطل يحاول طوال الوقت حل الألغاز الصعبة والوصول إلى أدوات تساعده في قراءة الخرائط، وحتى مكان الكنز نفسه يكون مخفيًا ويحتاج إلى الكثير من البحث للوصول إليه. لماذا اخترت هذا الفيلم تحديدًا وهو ليس بالفيلم الممتاز بل يحتوي على عدة ثغرات في السيناريو؟ لأن حتى هذا الفيلم كان يحتوي على حبكة وتفاصيل أشد تماسكًا من التي في "لص بغداد"، ولأن الفيلم المصري نقل عدة دقائق من الفيلم الأمريكي دون أي اختلاف يذكر وهي الخاصة باكتشاف المقبرة وتصميمها من الداخل. بعيدًا عن هذا المشهد لم يكلّف صناع "لص بغداد" أنفسهم بالسعي وراء صناعة حبكة جيدة أو حتى مشاهد أكشن جيدة مناسبة، مثل التي جاءت في الفيلم الأمريكي.
بالحديث عن مشاهد الأكشن، ربما كانت هناك عدة مآخذ على "ليلة هنا وسرور"، لكن بالتأكيد لم يكن هناك خلاف على جودة وتميز مشاهد الأكشن في الفيلم، وتطورها الشديد مقارنة بأفلام الأكشن المصرية الحديثة، بينما في "لص بغداد" نجد تراجعًا واضحًا في هذه المشاهد، إذ أن قَطعات المونتاج بطيئة وتُفقد المشهد إيقاعه ووقعه، مع إفراط غير مبرر في استخدام التصوير البطيء، والذي يحيلنا أيضًا إلى ألعاب الفيديو التي يمكن فيها استخدام تقنية التصوير البطيء أثناء اللعب لسهولة اقتناص الأعداء أو تأدية بعض الحركات الخاصة، وهو على الأرجح السبب الذي استخدمت لأجله هذه التقنية في الفيلم، أي التركيز على وجه محمد إمام وهو يؤدي المشاهد القتالية بنفسه.
لم يشغل المخرج نفسه بتبرير القدرات القتالية التي اكتسبتها فجأة الباحثة سلمى، التي وجدناها في بعض المشاهد تستخدم أطرافها كما لو أنها مدربة لعدة سنوات على القتال، ولم يحدث هذا في مشهد واحد أو بشكل كوميدي بل تكرر عدة مرات. كما لم يحاول صناعة أية تفاصيل بصرية مختلفة للشخصية الشريرة نادية، بل اكتفى بأن جعلها ترتدي زيًا جلديًّا أسود طوال الفيلم مع شعر أشقر، بينما ترفع حاجبها أثناء الكلام للتدليل على خطورتها، وهي أيضًا شخصية نمطية تناسب ألعاب الفيديو أكثر مما تناسب السينما.
الاهتمام الأكبر في "لص بغداد" انصب على مشاهد الجرافيك التي جاءت في نهاية الفيلم داخل المعبد، وخرجت بشكل جيد بالفعل، بخلاف هذا يعد الفيلم خطوة كبيرة للوراء في مسيرة مخرجه أحمد خالد موسى، وبطله محمد إمام الذي ربما يحتاج إلى البحث عن سيناريوهات جيدة يستطيع خلالها تقديم الأكشن مع الكوميديا مع المنطق.
هل ذكرنا لماذا لُقب يوسف بلص بغداد؟ في الحقيقة لا يوجد سبب، يوسف نفذ سرقاته في بغداد واليونان وحاول أن يسرق في كينيا وإسبانيا أيضًا، لكن صناع الفيلم وجدوا أن وقع لص بغداد سيكون أفضل على أذن المشاهد.
#المصدر: في الفن / اندرو محسن
الكلمات المفتاحية:
قبل 3 أشهر