مليارات بدون غطاء نقدي: الوضع الاقتصادي بين ريال صنعاء وريال عدن

مليارات بدون غطاء نقدي: الوضع الاقتصادي بين ريال صنعاء وريال عدن

التقارير الخاصة

السبت, 26-06-2021 الساعة 12:47 صباحاً بتوقيت عدن

سوث24| قسم التقارير 

حذّر  خبراء اقتصاديون في اليمن من تداعيات وخيمة ستسببها مليارات من العملة المحلية اليمنية التي تم ضخها للسوق دون غطاء من النقد الأجنبي. 

يأتي ذلك في الوقت الذي دعت جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، التي تسيطر على شمال اليمن، الصرّافين والمواطنين لعدم التعامل مع "أوراق دفعة ضخمة من الريال اليمني بلغت 400 مليار ريال" وصلت إلى مينائي المكلا وعدن.

وزعم الحوثيون في بيان أنَّ التحالف العربي بقيادة السعودية والحكومة اليمنية مُمثلة بالبنك المركزي في عدن قاموا بـ "تزييف الريال اليمني من خلال طباعة عملة من فئة ألف ريال (1000 ريال) مُشابهة لفئة الألف المطبوعة عام 2017"، والمتداولة في المناطق التي يسيطرون عليها. هذه الادعاءات شكك خبراء اقتصاديون لـ "سوث24" بصحتها. 

لكنها أتت تزامناً مع انهيار قياسي وغير مسبوق للريال اليمني أمام العملات الأجنبية في المناطق الخاضعة ماليا لسيطرة حكومة المناصفة في جنوب اليمن، ومناطق محدودة من الشمال.

وسجّل الدولار الأمريكي، أمس الخميس في عدن، ارتفاعاً عند 940 ريالاً يمنياً شراءً، و945 بيعاً، فيما وصل سعر الريال السعودي إلى 247 شراءً، و248 بيعاً.

الفجوة بين أسعار العملات الأجنبية بين صنعاء وعدن اتسعت بهذا التسارع المخيف والمستمر لانهيار الريال في عدن، إذ يحافظ الريال اليمني في صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين على قيمته الثابتة أمام الدولار منذ مطلع العام 2020، وسجلّ الدولار الأمريكي هناك أمس الخميس 598 ريالاً شراءً، و602 بيعاً، فيما بلغت قيمة الريال السعودي 158 شراءً، و158.5 بيعاً.

الاستقرار في سعر الريال اليمني بمناطق الحوثيين يعود بشكل أساسي إلى استراتيجية الجماعة بمنع وحظر تداول العملة المطبوعة من قبل البنك المركزي في عدن عام 2020 وحتّى الآن، والتي تم إصدارها بدون غطاء من النقد الأجنبي، وهو ما انعكس بشكل مدمّر على عملة الريال في عدن وبقية المحافظات.

وعلى الرغم من الودائع المالية الضخمة التي أودعتها السعودية في البنك المركزي اليمني بعدن لتغطية العجز في الاحتياطي من النقد الأجنبي، وللإسهام في استقرار سعر الريال، إلا أنَّ العملة لم تشهد أي تحسن، وسرعان ما تعود للانهيار المتسارع بعد أي تحسن طفيف، وسط اتهامات تقارير بنهب هذه الودائع من قبل أطراف في الحكومة المعترف بها دوليا، ومجموعات تجارية معروفة.

وبالمقابل اتهمت تقارير دولية الحوثيين بنهب احتياطي البنك المركزي اليمني - قبل نقله بقرار من الرئيس هادي من صنعاء إلى عدن - والتسبب بالانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد حالياً.

كما يبدو أنّ سياسية الحوثيين أفلحت برفض دفعات العملات المطبوعة بدون غطاء من النقد الأجنبي في الحفاظ على العملة في مناطقهم - على الأقل مقارنة بالمناطق المحررة الخاضعة عسكريا لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات موالية للرئيس هادي.

طباعة الأوراق النقدية 

شكك الخبير الاقتصادي من عدن، ماجد الداعري، لـ "سوث24" بمزاعم الحوثيين الأخيرة حول وصول أوراق نقدية لمناطق سيطرة الحوثيين، وقال أنّها "غير صحيحة".

ووفقا للداعري لم تصل أوراق نقدية جديدة بالحجم الكبير السابق إلى عدن أو المكلا، وأنّ "المقصود بالفئتين اللتين يبدأ تسلسلهما الرقمي بـ (د، هـ) هما من الـ 400 مليارات ريال ذاتها التي طبعها محافظ البنك المركزي الأسبق منصر القعيطي بالحجم الكبير عام 2017 بروسيا".

وبحسب الداعري، تم ضخ هذه المليارات المطبوعة إلى السوق، "ولا تزال الحكومة الشرعية تحتفظ ببعض منها بخزائن البنك المركزي في عدن وفرعه في المكلا، ويتم تهريب بعضها لمناطق الحوثيين للحصول على فارق الصرف". 

لذلك "يخشى الحوثيون من ضخ هذه المليارات الآن أو إعادة تفعيل عقد طباعتها السابق وإعادة طباعة مليارات جديدة بذات الحجم وبتاريخ الطباعة السابق 2017".

ووفقا للداعري فإنّ مثل هذه الخطوة "لن تقبلها روسيا ومطابعها الحكومية، لأنَّ ذلك يُعد تزويراً والعملة التي سُتطبع ستكون مزورة قانوناً لأنَّ تاريخ طباعتها قديم".

أما الخبير الاقتصادي من صنعاء، رشيد الحداد، أكّد في حديثه لـ "سوث24" أنَّ استمرار البنك المركزي في عدن بطباعة العملة دون غطاء نقدي "لم تعد مشكلة لدى صنعاء بقدر ما هي مشكلة تواجه الوضع المعيشي والاقتصادي في المحافظات الجنوبية..، ومحافظات تعز ومأرب، والتي تعاني من ارتفاع معدل التضخم في أسعار المواد الغذائية الأساسية إلى مستويات تفوق القدرات الشرائية للمواطنين".

واتهم الحداد حكومة الرئيس هادي بأنَّها تستمر بطبع العملات دون غطاء نقدي لأنَّ هذه الوسيلة أصبحت "أسهل الطرق لتغطية العجز العام في موازنتها". 

ولفت الحداد إلى أنَّ "معدل طباعة العملة تجاوز كل الخطوط الحمراء رغم تحذيرات مؤسسة النقد الدولي وصندوق النقد الدولي لحكومة هادي، ودعوتها للعمل على تحييد الاقتصاد من الصراع السياسي وإيجاد سياسة نقدية مناسبة تعمل على إيقاف تدهور الريال".

اتهامات للحكومة والحوثيين 

وكان تقرير لـ "فريق الخبراء الأممي" المعني باليمن في يناير مطلع العام الجاري قد اتهم حكومة اليمن بـ "غسل الأموال والفساد بما يؤثر سلبا على وصول إمدادات غذائية كافية"، كما اتهم التقرير الحوثيين بـ "استغلال ما لا يقل عن 1.8 مليار دولار من إيرادات الدولة في 2019 في تمويل المجهود الحربي".

كذلك اتهم التقرير البنك المركزي في عدن بمخالفة قواعد تغيير العملات والتلاعب في سوق العملة، "وغسل جزءا كبيرا من الوديعة السعودية بمخطط معقد لغسل الأموال" أدر على تجار (مجموعة هائل سعيد انعم التجارية المعروفة) مكاسب بلغت قيمتها نحو 423 مليون دولار، قبل أن يتراجع فريق الخبراء الأممي عن هذه الاتهامات لاحقا. 


ريال صنعاء وريال عدن 

منذ إقرار الحوثيين منع وحظر تداول العملة المطبوعة الجديدة عام 2020، بدأت فجوة قيمة الريال بين صنعاء وعدن تتسع، إذ انخفض سعر الدولار الأميركي في صنعاء إلى ما دون 600 ريالا، بعد أن كانت قيمته تتجاوز 850 ريالا في صنعاء وعدن على حد سواء، فيما شهدت عدن ارتفاعاً مستمراً.

ونتج عن هذه الفجوة بين ريال صنعاء وريال عدن اختلال في أسعار السلع والمواد في كل منهما، فيما وصلت نسب الخصم على الحوالات المالية من عدن إلى مناطق الحوثيين إلى أكثر من 44%، وهو ما سبب معاناة إضافية على عاتق المواطنين.

ووفقاً للخبير رشيد الحداد، فإن البنك المركزي في عدن "لم يستطع القيام بدوره بسبب أن إيرادات المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية "والقوات الموالية لحزب الإصلاح"- خصوصاً الإيرادات النفطية في محافظتي حضرموت وشبوة الجنوبيتين- "تذهب إلى البنك الأهلي السعودي"، فيما تذهب إيرادات "صافر النفطية" في مأرب إلى خزينة السلطة المحلية..". 

في هذا الوقت بقيت موارد المناطق الواقعة تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي بما فيها العاصمة عدن، تذهب لخزينة البنك المركزي اليمني، في الوقت الذي تعيش فيه أزمة اقتصادية خانقة.

لقد "اقتصر دور البنك المركزي في عدن على طباعة العملة واستقبال شحناتها وصرفها كرواتب ونفقات"، يزعم الخبير اليمني في صنعاء. 

وعلى عكس ذلك، قال الحداد أنّ "البنك المركزي في صنعاء، استطاع القيام بدوره الرقابي رغم سحب وظائفه الأساسية، وتجميد ما تبقى من الاحتياط النقدي في البنوك الدولية عام أواخر عام 2016".

ووفقا للحداد يرجع استقرار العملة في مناطق الحوثيين إلى أنّ صنعاء "تسيطر على نسبة كبيرة من السوق اليمني، ولا تزال مقرات البنوك الإسلامية والتجارية فيها، وفعلت الدور الرقابي على النشاط المالي والمصرفي واتخذت الإجراءات الرادعة، كما أنّ شحة السيولة النقدية بعد منع العملات المطبوعة ساهم في الحد من المضاربة بالعملة".

يختلف الخبير الاقتصادي ماجد الداعري مع رأي الحداد، ويقول أنّ الفارق بين ريال صنعاء وريال عدن "وهمي"، باعتباره "فارق قمعي أمني غير مبنى على حقائق مصرفية أو اعتبارات منطقية أو تحسّن اقتصادي مفترض بالبلد الغارقة بالحرب والفوضى والنكبات المختلفة".

ووفقاً للداعري فإن هذا "الفارق الوهمي" يُمكن انهاءه عبر "خطوات عاجلة وتفعيل لرقابة البنك المركزي في عدن".

انعكاسات انهيار العملة  

سبّب انهيار العملة ارتفاع معدل التضخم في أسعار المواد الغذائية والأساسية إلى مستويات قياسية في جنوب اليمن، فيما استقرت هذه الأسعار نسبياً في مناطق شمال اليمن الخاضعة للحوثيين، منذ قررت الجماعة إيقاف تعاملها بأي نقود مطبوعة بعد العام 2017.

هذا الارتفاع في أسعار المواد الغذائية سبب أزمة غير مسبوقة لغالبية المواطنين، خصوصاً مع حالة الانقطاعات المستمرة لمرتبات منتسبي القطاعين العسكري والأمني، وتدني رواتب القطاع المدني.

وارتفعت أسعار السلع الغذائية مثل الأرز والقمح بنسب وصلت إلى أكثر من 200% منذ عام 2018 وحتّى الآن، فيما تجاوزت سلع أخرى النسبة بكثير، وما زال هذا الارتفاع مستمراً. 

ويؤكّد الخبير الاقتصادي، ماجد الداعري، في حديثه لـ "سوث24" أنَّ الاستمرار في طبع العملة اليوم بأي حجم أو فئة نقدية "يعد كارثة وإغراق للبلاد في مزيد من الانهيار المصرفي".

وأوضح الداعري أنَّه "لا يوجد ما يستدعي الطباعة، لأنَّ السوق المصرفية تكتظ بأكثر من 3 تريليونات ريال يمني لأول مرة، ولا حاجة لمزيد من الأوراق إذا ما وجدت هنالك قيادة مصرفية حقيقية لإدارة القطاع المصرفي اليمني وتحريره من قبضة الحوثيين وسيطرتهم على سعر الصرف".

القادم 

وفقاً للخبير رشيد الحداد، اتخذت سلطات صنعاء قرارا منذ الثلاثاء الماضي "بوقف نقل وتبادل العملات بين المحافظات الجنوبية والشمالية بشكل كلي وحتى إشعار آخر"، مؤكداً أن إجراءات عديدة تم اتخاذها لأجل منع تسرب "الفئة النقدية المزيفة" إلى مناطق الحوثيين.

"من ضمن الإجراءات مصادرة أي أوراق من تلك الفئة النقدية، ومحاسبة وسجن من يحوز عليها أو يتداولها"، وفقا للخبير اليمني.

من المرجح أن يزداد تدخل الحوثيين في شمال اليمن في العمل المصرفي بحجة البحث عن "العملة المزورة"، وهو ما يمنح الجماعة وصولاً أكبر للموارد المالية.

إنقاذ ما يمكن إنقاذه 

الحل بالنسبة للخبير ماجد الداعري لإنقاذ الريال اليمني من الانهيار يكمن في "إنهاء المضاربة بالعملة وفوضى شركات الصرافة غير المرخصة، وربطها جميعاً بشبكة رقابة إلكترونية حديثة تمكن البنك المركزي في عدن من الرقابة على سير حركة الأموال والتحويلات المصرفية ومحاربة جرائم التلاعب بالعملة وغسيل وتبييض وتهريب الأموال".

وإضافة إلى ذلك، يقول الداعري "إعادة كافة دخل العملة الصعبة لصادرات البلد النفطية الوطنية وكل ثرواته القومية الى البنك المركزي بعدن للاستفادة منها في دعم وتعزيز سعر صرف العملة المحلية".

صحفي ومعد تقارير لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات 

- الصورة: (فرانس برس: محمد حويس) 

الريال اليمنيصنعاءعدنالوديعة السعوديةالبنك المركزي اليمني