التقارير الخاصة

هل ستحلّ موسكو محل واشنطن في الرياض؟

10-03-2021 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| قسم التحليل


بعد تسلّم الإدارة الامريكية الجديدة، القرار في واشنطن، تعمل، بشكل حثيث، على تصدير قلقها السياسي على صعيد الداخل الأمريكي إلى الصعيد الخارجي بصورة حراك دبلوماسي أكثر قلقا، فيما يخص مختلف الأزمات التي يشهدها العالم، وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط.


في مراسم تنصيب الرئيس بايدن في 20 يناير / كانون الثاني الماضي، تركّز خطاب مرشح الحزب الديمقراطي الفائز عن ضرورة الحفاظ على الديمقراطية ومشددا على أهمية وحدة الشعب الأمريكي، بعد أن كادت حدة الصراع التنافسي مع الخصم الجمهوري دونالد ترامب، أن تعصف بالشارع الأمريكي وتعرّض الديمقراطية الأمريكية لأول مرة لخطر الأفول والانهيار.


عودة إدارة الرئيس بايدن للحديث عن الملف الإيراني النووي، أتت من بوابة العودة إلى ملف الأزمة في اليمن، بأداء سياسي يكرّس منهجية التراجع والعودة عن الكثير من قرارات إدارة سلفه الرئيس ترامب. ففي 16 فبراير / شباط الماضي شطبت الخارجية الأمريكية، رسميا،  جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، من قوائم المنظمات الإرهابية، وقررت العمل على انهاء الحرب في اليمن والدفع نحو "الحل السياسي الشامل". ولتأكيد اهتمامها الاستراتيجي بالأزمة اليمنية، عينّت مبعوثا خاصا لها إلى اليمن.


هذا الاهتمام حفّز إيران على الانخراط بصورة علنية في مشاورات الأزمة اليمنية، عكسته زيارة المبعوث الأممي مارتن جريفيث إلى طهران وحثها على التعاون في حل الأزمة في اليمن. لكن ما حدث هو العكس تماما، فقد هاجم الحوثيون حينها بضراوة محافظة مأرب، في شمال اليمن، تزامناً مع تصعيد هجومها على المملكة العربية السعودية. 


كل هذا يشير إلى وضع الملف اليمني في مستوى المساومة مع الملف الإيراني النووي وإمكانية إبرام صفقات سياسية بخصوص عودة ايران للمفاوضات مع دول ال 5+1.


من الغرب إلى الشرق


اعتماد ادارة بايدن على سياسة التراجع عن التصعيد العسكري في اليمن، واستبدالها بسياسة التصعيد الدبلوماسي مع مختلف الأطراف الفاعلة في الأزمة اليمنية، حفّز العديد من اللاعبين الدوليين على الانخراط بصورة متفاوتة.


وجّهت الحكومة الروسية مطلع فبراير شباط الماضي دعوة رسمية للمجلس الانتقالي الجنوبي، لزيارة موسكو. تسعى موسكو لإثبات حضورها، من منطلق يعكس أهمية الملف اليمني لها، وإحاطتها بجميع جوانبه.


جاءت التطورات السياسية والعسكرية بخصوص الأزمة في اليمن، على حساب الدور السعودي، الأمر الذي يشير بجلاء، إلى تضرر علاقة الرياض بواشنطن، انعكس برفع مستوى التصعيد العسكري بين السعودية والميليشيات الحوثية إلى مستويات أعلى. 


بعد جولة سياسية  للمبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، توم ليندركينغ، في المنطقة، ولقاءه بالحوثيين في سلطنة عمان، تباحث بعدها مع الإدارة السعودية، دون الإعلان عن نتائج.


لكن ما بدى على المشهد الدبلوماسي والسياسي، هو تزايد وتيرة اللقاءات والزيارات والاتصالات الرسمية السعودية، رفيعة المستوى، مع رؤساء ومبعوثي دول عربية وآسيوية بينها الهند وماليزيا وروسيا. 


إقرأ أيضا: الرياض تراهن على قطر وتحشد ضد سياسة بايدن في اليمن


بعد لقاء ضم ولي العهد السعودي مع المبعوث الروسي الخاص لشؤون التسوية السورية، يوم أمس، زار الرياض اليوم الأربعاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، التقى خلالها الأمير محمد، قادماً من العاصمة الإماراتية أبوظبي.


زيارة الجانب الروسي للسعودية وصفتها الأخيرة بأنها تمهّد للتعاون الاستراتيجي بين البلدين. في حين اعتبرت الخارجية الروسية، على صفحتها الرسمية في تويتر أنّ التحالف بين روسيا والمملكة العربية السعودية استراتيجي وأنّ التنسيق والتعاون بين البلدين على أعلى مستوى.



جاءت زيارة لافروف بعد يوم واحد من استقبال قائد القوات الجوية الملكية السعودية لقائد القوات الجوية بالقيادة المركزية الأمريكية، وفقا لما أعلنت عنه وزارة الدفاع، على صفحتها الرسمية في تويتر، مرفقة مع الخبر هشتاج "نتعاون لا نتهاون".


وعلى الرغم من أنّ هذه الزيارة الروسية، للمنطقة، قد توحي بتغييرات استراتيجية في العلاقات السياسية الخارجية للملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، مع واشنطن، أو، بحده الأدنى، مع الإدارة الديمقراطية الحالية، وفقاً لمراقبين. إلا أنّ الخبير السياسي والأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، اعتبر أنّ "الاستقبال الخليجي الحافل لوزير خارجية روسيا لا يعني أنّ روسيا ستحل محل أمريكا". [1]


بينما رأى الخبير السعودي البارز، خالد الزعتر، أنّ جولة وزير الخارجية الروسي للمنطقة الخليجية هي في توقيتها ذكاء من بوتين، لتوظيف حالة الإنحسار والتراجع في النفوذ الأمريكي لمصلحة تعزيز نفوذه في المنطقة. [2]


وأضاف في تغريدة أخرى "تراجع الثقة في السياسة الأمريكية سيقود للتعجيل بتراجع المكانة الأمريكية في ظل حالة التنافس الدولي". 


إقرأ أيضا: السعودية.. تحالفات جديدة لمواجهة واشنطن


وكانت الحكومة الروسية قد أمرت وزارتي الخارجية والدفاع، في 22 فبراير الماضي، بإجراء مفاوضات مع السعودية بهدف إبرام اتفاقية جديدة للتعاون العسكري بين الدولتين. شملت الاتفاقية مكافحة الإرهاب، محاربة القرصنة، تدريب القوات، التعليم العسكري، الثقافة والرياضة، الطب العسكري، التاريخ العسكري وعمليات الإغاثة في البحر، وفقا لما نقله موقع التلفزيون الروسي الناطق بالعربي (روسيا اليوم)


من ضمن أبرز الملفات التي ناقشها لافروف مع نظرائه في أبوظبي والرياض، كان الملف السوري والأزمة في اليمن. 


صفقة أم مقايضة


وقال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، خلال مؤتمر صحفي مع لافروف، إنّ الأزمة السورية تتطلب حلا سياسيا، مؤكدا بأنّ هذا البلد بحاجة إلى العودة لحضنه العربي والتمتع بالاستقرار والأمن. وأكد أنّ السعودية حريصة من بداية الأزمة على إيجاد سبيل لإيقاف النزيف الحاصل في بلد شقيق ومهم، وكذلك حريصة على التنسيق مع جميع الأطراف بما فيهم الأصدقاء الروس.


من ناحيته أكّد لافروف أنّ المحادثات أولت اهتماما كبيراً إلى الوضع في سوريا ووحدتها الوطنية وسلامة أراضيها وحق السوريين في تقرير مستقبلهم بشكل مستقل بناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. [3]


وكان وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، قد أكّد الثلاثاء، على "ضرورة التعاون والعمل الإقليمي لبدء مشوار عودة سوريا إلى محيطها"، مضيفا في مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي، أنّ "هذا الأمر لا يتعلق بمن يريد أو لا يريد، المسألة هي مسألة المصلحة العامة مصلحة سوريا ومصلحة المنطقة".


ما هو مرجّح هنا، أن الجانب الروسي يعرض رغبته في التعاون الاستراتيجي مع الجانب السعودي، في سياق يذهب، ربما، إلى عقد صفقات تتعلق بالملفين السوري واليمني.


ففي حين أكّد وزير الخارجية السعودي على أنّ تنفيذ اتفاق الرياض، الموقع بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة هادي، وتشكيل الحكومة "يمهدان طريق الحل في اليمن"، شدد لافروف على أنّ بلاده تدعم الحوار السياسي لحلّ الأزمة في اليمن، داعياً لوقف فوري للقتال هناك.


ربما قد يكون من المبكّر الحديث عن مقايضة الملف السوري باليمني، مقابل ضمان التزام موسكو بتمكين الرياض من حماية أراضيها وحدودها، بأسلحة نوعية متطورة، من جهة، وضمان حماية الممرات المائية من التهديدات الحوثية والإيرانية، من جهة أخرى. لكن إذا ما استمر النهج الأمريكي المنحاز للميليشيات المدعومة من إيران، قد يكون مثل هذا السيناريو ممكنا. 


بدر محمد: زميل في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، مختص بالشؤون السياسية اليمنية

إياد قاسم: رئيس مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا