عربي

هل سيتحوّل شمال شرق سوريا إلى منطقة مواجهة بين الولايات المتحدة وتركيا؟‎

26-02-2021 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| أحمد الخالد


شهدت الولايات المتحدة في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي انتخابات رئاسية مثيرة إلى حد ما وضعت الكثير على المحك وكان من المفترض من نواح كثيرة أن تحدد مسار السياسة الخارجية لواشنطن.


لقد أعربت الإدارة الأمريكية الجديدة تحت رئاسة جو بايدن مرارًا عن طموحاتها في إجراء بعض التعديلات لتصحيح الوضع الحالي في الشرق الأوسط، وإعادة صياغة شكل العلاقات مع القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا، وتنشيط التعاون مع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في سوريا.


وغنيٍ عن القول أنّ مساعي البيت الأبيض الطموحة لم تلقَ ترحيباً عالمياً في المنطقة. العقبة الرئيسية هي السلطات التركية التي لا تهتم في إجراء أية تغييرات في سياستها تجاه الأكراد السوريين على عكس واشنطن. يضم الجناح العسكري للإدارة الذاتية، قوات سوريا الديمقراطية، وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبره أنقرة تابعًا لحزب العمال الكردستاني المُدرج كمنظمة إرهابية في تركيا. في هذا الصدد، فإنّ القوة المتنامية لقوات سوريا الديمقراطية، ولو تحت حماية الولايات المتحدة، تتعارض مع مصالح تركيا وتشكل تهديدًا خطيرًا لأمنها القومي كما يقول المسؤولون الأتراك بشكل روتيني.


أكسبت أنقرة مؤخرًا شهرة الدولة "المعتدية" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسبب سياستها الخارجية المثيرة للجدل. نتيجة لذلك، أصبحت علاقات تركيا متوترة إلى حدٍ ما مع كل من الدول الأوروبية ودول الشرق الأوسط. بدوره، تسبب شراء أنظمة الصواريخ الروسية إس-400 المضادة للطائرات صدعًا بين القيادة التركية والسلطات الأمريكية. علاوة على ذلك، أعرب عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكي عن قلقهم من "العدوان التركي" في شمال سوريا وطالبوا جو بايدن بالضغط على المسؤولين الأتراك. شارك وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في هذا الشعور قائلًا إن تركيا "لا تتصرف كحليف" ووصف شراء أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات روسية الصنع بأنه "غير مقبول".


في تناقض صارخ مع هذا الموقف السلبي بشكل عام، ظهر البيان الأخير للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس مفاجئًا إلى حد ما. ووصف برايس تركيا خلال إحاطته الإعلامية بأنها شريك مهم في الناتو، وشدد على أنّ الدولتين تشتركان في مصالح مشتركة، بما في ذلك الأمور المتعلقة بتسوية الصراع السوري. وأضاف أن جميع الخلافات الحالية مع أنقرة يجب حلها في إطار الحوار السياسي.



أحمد الخالد
كاتب وصحفي سوري

ربما رأى المتحدث الرئاسي التركي إبراهيم كالين، ذلك، فرصة ضيقة وحثّ الرئيس الأمريكي على وقف الدعم للوحدات المسلحة الكردية، بينما أكّد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار استعداد تركيا لمواصلة عمليات "مكافحة الإرهاب" في شمال سوريا.


وتشير اتجاهات تغطية وسائل الإعلام التركية للملف السوري إلى أنّ أنقرة تربط تصاعد نشاط الوحدات الكردية بوصول جو بايدن إلى السلطة. اتهمت صحيفة "ديلي صباح" التي تديرها الدولة والمكلّفة بإبراز أجندة تركيا في الغرب، الأكراد بإساءة استخدام حماية واشنطن من أجل تعزيز مواقفهم.


تشهد مناطق شمال سوريا التي تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية الموالية لتركيا زيادة في "الهجمات الإرهابية" التي يُلقى باللوم فيها على الفصائل الكردية. وفي أحدث مثال، ضربت سلسلة انفجارات مدن اعزاز وعفرين والباب، ما أسفر عن مقتل أكثر من 20 مدنيًا. أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانًا غير مسبوق بعد الحادث وأكدت فيه بأنه "تجب محاكمة المسؤولين عن ارتكاب أعمال العنف"، الأمر الذي شكّل مفاجأة للأكراد.


مع وضع هذا في الاعتبار، فإنّ السؤال هو: هل يتمتع رجب أردوغان، على الرغم من تصريحاته العدوانية ضد الأكراد، بالجرأة على مواجهة وربما إفساد العلاقات مع حليفه في الناتو، الذي يدعم قوات سوريا الديمقراطية ويثق بهم لحماية حقول النفط في الشرق سوريا؟ تضيّق مجموعة من التحديات الدبلوماسية الخناق على الزعيم التركي، مما يدفعه إلى الاختيار بين المطالبات الإقليمية والقتال ضد الإدارة الكردية على حدود تركيا من جهة، والحفاظ على العلاقات مع الحليف الرئيسي من جهة أخرى.


الجدير بالذكر أن جو بايدن كان شديد الانتقاد لقرار دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا قبل توليه الرئاسة واعتبره "خيانة" لحليف الولايات المتحدة الإقليمي - قوات سوريا الديمقراطية. إذا تمسّك بايدن بهذا الموقف الحازم تجاه الأكراد، فمن غير المرجّح أن تحصل تركيا على أي تنازلات من واشنطن.


من الصعب التحدث على وجه اليقين عن نتيجة المواجهة المتصاعدة بين الولايات المتحدة وتركيا. ومع ذلك، من خلال اتباع مثل هذه السياسة "العدائية" في سوريا والسعي إلى القضاء على "التهديد" من قوات سوريا الديمقراطية أو وحدات حماية الشعب أو حزب العمال الكردستاني، تُخاطر تركيا بأن تصبح ليس فقط معتدياً إقليميًا، ولكن أيضًا دولة مارقة.


ستظهر الأشهر أو ربما حتى الأيام القادمة ما إذا كان أردوغان قادرًا على كبح جماح طموحاته السياسية من أجل الحفاظ على شراكة مهمة استراتيجيًا مع الولايات المتحدة، أم أنّ تركيا ستتبع مسار "الحل النهائي" للمسألة الكردية، متجاهلةً كل القوانين الدولية.


- تعبّر الآراء الواردة في هذه المقالة عن رأي المؤلف، ولا تمثّل بالضرورة سياسة مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا