20-02-2021 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحقيقات
ست سنوات من الحرب والفوضى في اليمن، مكنّت لصوص الآثار التاريخية والمخربّون من التناوب على سرقة كنوز الجنوب والشمال الأثرية. لم تكن فقط اليمن مسرحاً للتدخل السياسي والعسكري الأجنبي، لكنها كانت أيضاً مسرحاً لعائلات الأمراء من جيران اليمن ومافيا الآثار العالمية، الذين وضعوا أيديهم على كنوز تاريخية لا تقدّر بثمن.
إنّ فوضى الحرب والفقر وغياب السلطة وغياب الدولة، خلقت عصابات في البلد المبتلى. ومع تواصل المأساة، تتسارع عمليات نهب وتخريب وتهريب آثار اليمن الحزين. [1]
في عام 2018، عُرض في القصر الملكي الفرنسي الشهير "فونتينبلو" الواقع على بعد 55 كيلو متر من العاصمة باريس، مجموعة آثار يمنية جنوبية تاريخية بينها التمثال الحضرمي "الوعل البرونزي الشهير عثتر"، وبعده بعام تم عرضه مرة أخرى في متحف طوكيو الوطني، كما كشف ذلك تحقيق صحفي فرنسي سابق. [2]
صورة أخرى للوعل البرونزي المنهوب من جنوب اليمن، الذي تمتلكه العائلة القطرية الحاكمة، في قصر فونتينبلو في فرنسا (2018)
وفقاً للتحقيق الفرنسي، الذي لم يلقى اهتماما من وسائل الإعلام اليمنية، أو الجهات الرسمية، فإنّ هذه المجموعة الأثرية ومنها "الوعل البرونزي"جزء من المجموعة المرموقة للشيخ حمد آل ثاني، ابن عم أمير قطر المليونير.
وهذا الـ"إيبس" البرونزي (الوعل) هو "بلا شك" نتيجة نهب معبد يمني، وفقًا لجيريمي شييتكاتيت، الباحث في المركز الوطني للبحوث العلمية في فرنسا. وقال لملحق التحقيق إنّ عمليات النهب سهلّها الوضع الفوضوي في اليمن.
ويقول الباحث، وفقاً للتحقيق الذي نشره التلفزيون الفرنسي الثاني (France info) في فبراير/ شباط 2020، إنّ المعبد الذي يأتي منه التمثال يقع في واد لا يمكن للبعثات الأثرية اختراقه دون المخاطرة بعمليات الاختطاف.
وأضاف أنّ "عالم الآثار الوحيد الذي تمكّن من زيارة الموقع هو يمني. والتقط صورا للموقع تكشف عن آثار حفريات سرية، أظهرت الثقب الذي حفره اللصوص للوصول إلى المعبد، وحتى الدلاء التي استخدموها لتنظيف الأرض."
يشير عالم الآثار الفرنسي على الخريطة لموقع "مريمه" الأثري وتظهر الصور مكان الحفر وبعض الدلاء التي استخدمت لنقل التراب في المكان. (مقتطع من تقرير القناة الفرنسية)
وبحسب التحقيق فقد أبلغ عالم الآثار القائم والمسؤولين في قصر فونتينبلو عبر البريد الإلكتروني في اليوم السابق لافتتاح المعرض. لكن الوعل البرونزي المشكوك في أصوله كان حاضراً، "كما لو أن شيئا لم يحدث، ويستمر تداول الأشياء وعرضها في أماكن أخرى، دون أي إزعاج".
أمين متحف فونتينبلو الفرنسي قال، وفقاً للقناة الفرنسية، أنه تحقق من أصل التمثال. ولكن أيضا "على أساس الوثائق التي قدّمها مندوب مجموعة آل ثاني". واجتمع معه فريق "ملحق التحقيق" في اليابان بعد ذلك بعام. استضاف المتحف الوطني في طوكيو بدوره المجموعة الأثرية مع الوعل الشهير.
أمين جعفر، القائم على المجموعة، أشاد بجدية الشيخ حمد آل ثاني في اقتناءه للآثار اليمنية، وفقا للقناة الفرنسية.
لكنه رفض الحديث عن أصول التمثال أمام العامة. كما توضّح المعلومات التي كشفها التحقيق الفرنسي. في حين أنّ مدير العلاقات العامة لديه مستعد "لمناقشته على انفراد" لكنه "لا يرغب في الإجابة على هذه الأسئلة أمام الكاميرا". كاميرا يجب على الصحفيين إيقافها بناءً على أوامره." كما تقول القناة الفرنسية.
صورة أخرى مقتطعة للوعل البرونزي أثناء عرضه في المتحف الوطني في اليابان في 2019، كما تقول القناة الفرنسية.
الإخوان والقاعدة وقطر
تمثال الوعل "عثتر" تم نهبه من موقع مريمه الأثري، في جنوب اليمن. كما يقول عالم الآثار الفرنسي جيريمي شييتكاتيت، وهو يشير لصورة فوتوغرافية عديدة من الموقع.
بعد بحث أجراه مركز سوث24 على الخريطة، فإنّ هذا الموقع يتواجد إلى الشرق من مدينة سيئون، ويبعد عنها بنحو اثنين كيلو مترات، ويقع على مرتفع صخري يرتفع عن سطح البحر قرابة (30 متراً ) [3]، ويـطلـق عليها بعض سكان سيئـون اسـم ـ البيضاء، بوادي حضرموت، الخاضعة لحكم قوات تتبع تنظيم الإخوان المسلمين القادمين من شمال اليمن، منذ سنوات.
وادي حضرموت يتبع إدارياً محافظة حضرموت، جنوب اليمن، وتدير الوادي سياسيا وعسكرياً سلطات مقرّبة من جناح الإخوان المسلمين في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، المدعوم من قطر. وتتركز فيه ألوية وقوات عسكرية موالية لعلي محسن الأحمر، نائب الرئيس اليمني المقرّب من الإسلاميين، أهمها المنطقة العسكرية الأولى.
عالم الآثار الفرنسي جيريمي شييتكاتيت يشير إلى "موقع مريمه" الأثري في وادي حضرموت بجنوب اليمن، الذي نُهب منه الوعل البرونزي. (مقتطع من فيديو القناة الفرنسية 2)
بعد طرد عناصر تنظيم القاعدة التي حاولت السيطرة على مدينة المكلا في العام 2015، عاد المئات من عناصر التنظيم للانتشار في مناطق المنطقة العسكرية الأولى. على مدى عام من سيطرة التنظيم، شهدت ساحل حضرموت أيضاً فضائع طالت المواقع والمعالم الأثرية. [4]
لم تكن فقط الآثار التاريخية هي ضحية صفقات تقف ورائها عصابات تملك المال والسلطة في هذه المناطق مع العائلات الثرية الخليجية ومافيا الآثار العالمية وحسب. هناك مئات الآبار النفطية في حقول عديدة بالمحافظة، تملكها عائلات شمالية وتبيعها بعقود غير رسمية لشركات محلية ودولية. [5]
وسبق وتعرّض متحف المكلا في مارس/آذار 2013، لعملية سطو أتت على معظم مقتنياته بما فيها عرش السلطان القعيطي وصولجانه، وبعض المدافع السلطانية الاستعراضية المصنوعة من النحاس الأصفر. [6]
لم تجري الحكومة تحركات حقيقية بشأن مزاعم التحقيق الفرنسي، ولم تلقى القضية تفاعلا جاداً من الجهات المعنية فيها، يظاهي الخطر الذي يتهدد أهم معالم جنوب اليمن التاريخية. باستثناء خبر يتيم في موقع يمني، منذ أربعة أشهر، أشار إلى أنّ "وزارة الثقافة في حكومة تصريف الأعمال وجهت مذكرات رسمية للجهات المعنية بغية استعاد تمثال أثري قديم ظهر بحوزة أمير قطر السابق حمد آل الثاني إلى جانب آثار أخرى." [7]
وإضافة إلى عمليات النهب المنظّم للآثار الجنوبية واليمنية، تعرّضت عشرات المواقع والمعالم الأثرية للعبث والتدمير وتضررت بضربات جوية مباشرة وغير مباشرة في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى تعرض 35 معلماً ومزاراً دينياً للتفجير من قبل عناصر تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، وفقا للهيئة العامة للآثار اليمنية.
وتتهم الحكومة اليمنية كذلك جماعة أنصار الله (الحوثيين)، التي تسيطر على العاصمة صنعاء ومدن أخرى، باستهداف العديد من المواقع الأثرية بالمناطق التي تشهد مواجهات مع القوات الحكومية، وتعريض أخرى، للاستهداف.
إنّ علاقة قطر المشبوهة بمنظمّات إسلامية وجهادية متطرّفة في جنوب اليمن، ربما ترجّح بشدّة وصول مثل هذه القطع الأثرية إلى أيدي بعض أمرائها الأغنياء. لكنه حتى الآن لا توجد معلومات تفصيلية ودقيقة عن الشخصيات والجهات المباشرة المتورّطة في عملية نهب "الوعل البرونزي".
وكانت القناة الفرنسية نفسها قد كشفت العام الماضي في تحقيق لها، عن أعمال فنية نُهبت في مناطق الحرب في الشرقين الأدنى والأوسط، ثم بيعت لهواة جمع التحف الأثرياء وتجار التحف في أوروبا، بصورة غير قانونية تبلغ قيمتها عدة مئات من ملايين اليورو والتي ستكون أحد المصادر الرئيسية لتمويل الجماعات الإرهابية. وفقاً للقناة الفرنسية. [8]
موقع مريمه الأثري شرق مدينة سيئون بوادي حضرموت، كما نشرته وسائل إعلام حضرمية محلية.
هل المسؤلون في الحكومة اليمنية مذنبون؟
بعد تشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب في اليمن، عادت مؤخراً إلى عدن، وتحضى باستقرار جيّد يوفره لها المجلس الانتقالي الجنوبي. كيف يمكن أن تستفز هذه التفاصيل وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني، وتدفعه لاتخاذ إجراءات فورية؟ أمّ أن المسؤولين اليمنيين متورّطون بصورة أو بأخرى بعمليات مماثلة.
سبق للزميل رئيس مركز سوث24 أن نشر تقريراً سابقا في يونيو العام الماضي، في صحيفة اليوم الثامن الصادرة من عدن، كشف تفاصيل عن تورّط مسؤلون في حكومة هادي بالمتاجرة بآثار يمنية، وفقاً لما نشره موقع أوروبي متخصص. [9]
وكشف موقع لايف ساينس المتخصص في الآثار عن معلومات خطيرة حول عملية التهريب والبيع للآثار في جنوب اليمن، انطلاقاً من السعودية التي اصبحت مركز تصدير للآثار إلى الكثير من بلدان العالم، وفقا للموقع.
وحينها كان يقيم هادي وحكومته في العاصمة السعودية الرياض، وهو ما وفر على الأرجح عملية تهريب الآثار من اليمن ومن محافظة شبوة تحديدا في الجنوب. وعلى الرغم من أنّ قوات النخبة الشبوانية حاربت لعامين عملية التهريب قبل إخراجها من المحافظة، إلا أنّ تهريب الاثار بدأت في العام 2011م، وهو ما يوحي بأّن تهريب الاثار تم من قبل مسؤولين في الحكومة اليمنية السابقة منذ نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح.
ولا تقتصر الاتهامات على مسؤولي الحكومة الشرعية او الموالين لها، فالحوثيون الذين يبسطون نفوذهم على شمال اليمن، قاموا ببيع وتهريب الكثير من الآثار لعل من أبرزها تهريب نسخة نادرة من التوراة الى اسرائيل التي يرفعون شعارا مناهضا لها، وفقاً للموقع.
وفي التقرير الذي أعده حينها الكاتب "أوين جاروس"، كشف المركز عن "بيع ما لا يقل عن 100 قطعة أثرية من اليمن في مزاد علني مقابل ما يقدر بمليون دولار في الولايات المتحدة وأوروبا والإمارات العربية المتحدة منذ عام 2011، وفقًا لتقرير "لايف ساينس" في ما يسمى "آثار الدم" في البلاد.
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات
قبل 3 أشهر